يتضح جلياً مدى حرص واهتمام حكومتنا الرشيدة من خلال صدور المرسوم الملكي الموقر رقم م/43 في 14/10/1438هـ بشأن تطبيق لوائح كود البناء السعودي والذي من شأنه تطوير قطاع البناء والتشييد في المملكة والرقي به في ظل الظروف والتطورات التقنية والعلمية المستجدة محلياً وإقليمياً وعالمياً.. وأشرفت على إعداد وصياغة هذا الكود الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى جانب جهات أخرى من الدوائر الحكومية ذات العلاقة والجامعات والشركات والقطاع الخاص والمكاتب الهندسية والاستشارية.
واستجابة لهذا القرار فسيتم قريباً تطبيقه على أسس تكفل ملاءمته لظروف المملكة وإمكاناتها واحتياجاتها. ويشتمل كود البناء السعودي مجموعة من القوانين والنظم الإدارية والفنية المتعلقة بالبناء والمبنية على القواعد العلمية والهندسية الحديثة وذلك لضمان الحد المقبول من معايير السلامة والصحة والجودة والراحة والتكلفة، مع الأخذ في الاعتبار خواص المواد والظروف الطبيعية المحلية ومتطلبات الحماية من الحريق والأخطار الطبيعية كالزلازل والأمطار والرياح والعواصف البرقية. ويمكن فيما يلي إلقاء بعض الأضواء على أهم ملامح هذا الكود بشكل مختصر.
نشأته:
اتساع رقعة المملكة، إضافة إلى ما يمنحه ولاة أمرها للمواطنين من أراضٍ وقروض سهلة التسديد أديا إلى ازدهار قطاع البناء والتشييد في المملكة وتسارع نموه وتطوره وجذبه للأيدي العاملة من مهندسين وفنيين ومهنيين وغيرهم من كافة بقاع العالم فتعددت طرق البناء وتشعبت أساليبه ونظمه ما جعل الحاجة ماسة لوجود نظام بناء يكفل سلامة المواطنين وراحتهم ويتلاءم مع ظروف المملكة المناخية والجغرافية ويواكب ما تشهده من نهضة عمرانية ويوحد نظماً للبناء ويكون مرجعاً فنياً يساعد على حسم ما قد يحدث من منازعات فيه، ومن هنا تأتي أهمية كود البناء السعودي للمواطنين والعاملين في قطاع البناء والتشييد، والكود لا يقتصر على سلامة المنشآت فحسب بل يوفر المتطلبات التي تحقق الراحة لمستخدميها وترشيد الإنفاق عند التنفيذ وأساليب الصيانة المناسبة وغيرها من أمور حيوية، لذا نجد أن الإطار العام الذي تم تحديده لكود البناء السعودي تضمن جميع اللوائح والمتطلبات الإدارية والقانونية والمعمارية والإنشائية والكهربائية والميكانيكية والصحية وترشيد المياه والطاقة والحماية من الحريق ولوائح المباني القائمة، بالإضافة إلى لوائح ومتطلبات أخرى.
ولعل من أهداف الكود تنظيم العلاقة بين جميع الأطراف المعنية في عملية البناء وتحديد المسؤوليات بطريقة واضحة بحيث تقل الخلافات وتحسم المنازعات على أسس عادلة، ولعل المستفيد الأكبر من هذه العملية هو المواطن الذي يتخذ الكود كأساس لأعمال البناء التي يقوم بها وعندها سيكون مطمئناً إلى أنه اعتمد المعايير الصحيحة من الناحية التنظيمية والفنية حيث سيكون الكود مرشدًا لتنفيذ جميع المراحل بدءًا من مرحلة التصميم حتى مرحلة التسليم النهائي مقيماً الأسس ومحدداً المتطلبات التي تكفل سلامة المبنى وتماشيه مع الظروف التي يتعرض لها سواءً من التربة أو من المناخ أو الاستخدام.
إن الاستفادة من خبرات من سبقونا في هذا المجال أمر ضروري حيث إن موضوع الكود فني متشعب ودقيق لذا فقد تم أثناء صياغته وإعداده الاستئناس بالكثير من الدراسات والإنجازات والمراجع من مختلف دول العالم شأنه شأن أي موضوع مهم ذي طبيعة عامة، ولهذا لم يكن الكود بمعزل عن التطورات العالمية ولا يمكن أبداً أن يبدأ من نقطة الصفر بل لابد من الاستفادة من هذه الجهود، بيد أن ذلك لا يعني أخذها عشوائيًا وكما هي دون دراسة بل لا بد من بلورتها وتطويعها ووضعها في صيغ وقوالب لتلائم ظروفنا وأحوالنا، وهذا هو مسؤولية اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي وما يتفرع منها من لجان فنية لتواكب مجريات التطورات العالمية وما يتمخض عنها من دراسات ووثائق وكودات عربية وأجنبية.
كود البناء السعودي والمواصفات القياسية
تحدد المواصفات القياسية المتطلبات التي يجب أن تتوافر في مواد البناء والتشييد لكي تفي بأغراض استخدامها ولذا فقد كان للهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة دور رئيس في التمهيد لصدور كود البناء السعودي حينما عكفت الهيئة منذ إنشائها على الاهتمام بإصدار مجموعة متنوعة من أسس التصميم والتنفيذ ذات الطبيعة العاجلة ولكنها كانت تضع في حسبانها ضرورة إصدار كود بناء موحد ينظر إلى جميع المواضيع نظرة شاملة ويعالجها بأسلوب منسق، ولقد تكاتفت معها جهات مسؤولة وفي مقدمتها وزارة الشؤون البلدية والقروية وتوجت هذه الجهود بصدور المرسوم الملكي بالشروع في تنفيذه وبتطبيقه.
وبما أن كودات البناء لها علاقة بكافة نواحي تصميم وتنفيذ المباني، فهي تعتمد المواصفات القياسية عند تحديد المواد المستخدمة من أجل الوصول إلى الحد الملائم من السلامة والصحة العامة والتكاليف. وتكمن أهمية الكود في أنه يشكل مرجعية قانونية لتنظيم المسؤوليات بين الجهات ذات العلاقة في عملية البناء إذ يحدد مسؤولية ودور كل من المالك والمصمم والمشرف والمنفذ، أما المواصفات فهي تختص بمواد البناء والتشييد، وهي تعالج المواد وتحدد شروط القبول والرفض لكافة المواد الإنشائية، وتحدد كذلك أساليب الفحص والاختبار بما يتوافق مع المواصفات القياسية العالمية، وهناك المواصفات الفنية العامة للمبنى وهي تعالج كل ما يتعلق بالمنشأة أثناء مرحلة التنفيذ مثل خصائص المواد الإنشائية المستخدمة وطرق تنفيذها وفحصها وشروط أمان واستقرار المنشآة.
أهداف كود البناء السعودي
يوفر الكود المعيار والمقياس لمتطلبات واشتراطات الأمان والسلامة والراحة والتكلفة المناسبة والتنظيم اللازم توفرها في المبنى لتأكيد الحفاظ على سلامة الأرواح والممتلكات وتقليل المخاطر، كذلك يوفر الكود متطلبات محددة يبنى عليها التصميم والتشييد والتفتيش والفحص. كذلك يتميز الكود بأنه يغطي المزيد من التوافق والتصميم العالي الجودة، لذا يجب أن يلتزم المصمم الذي يعمل ضمن حدود الكود بلوائحه وبنوده واشتراطاته وكافة المتطلبات والقواعد والأنظمة والتشريعات الفنية والإدارية اللازمة من أجل ضمان السلامة العامة والصحة والجودة والراحة والتكلفة المناسبة، لذا فإن تأثيراته الإيجابية تنعكس تلقائياً على جميع مجالات البناء والتشييد وبخاصة على المواطن العادي الذي لا تتوفر لديه الخبرة الفنية، ويكفي الشخص العادي عند الاتفاق مع مكتب استشاري لتصميم منزله أن يقول: «التصميم يكون حسب متطلبات كود البناء السعودي» أو عند الاتفاق مع المقاول أن يقول: «يتم التنفيذ حسب اشتراطات كود البناء السعودي» وبهذا يضمن دقة التصميم وحسن التنفيذ وسلامة أداء في المنشأة.
مكونات كود البناء السعودي
يشتمل الإطار العام لكود البناء السعودي على عدد من اللوائح والاشتراطات منها المعمارية والتي تتعلق بالأعمال المعمارية ونوعية الاستخدام ونظم التشييد للمباني، ومنها اللوائح والاشتراطات الإنشائية التي تتعلق بالتحليل والتصميم الإنشائي والفحوصات اللازمة، كما يشتمل الكود على لوائح واشتراطات كهربائية تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة الأنظمة والتمديدات الكهربائية للمباني، كذلك لوائح واشتراطات ميكانيكية تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة الأنظمة والأجهزة والتركيبات الميكانيكية للمباني، ولأهمية ترشيد الطاقة وترشيد المياه في المملكة فإن الكود يشير إلى لوائح ومتطلبات الترشيد في أعمال التصميم والتشييد كما يتطرق الكود إلى لوائح واشتراطات صحية تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة الأنظمة والأجهزة والتمديدات الصحية للمباني، ونظراً لأن كود البناء السعودي يضمن الحد الأدنى من السلامة للمنشآت والمباني وقاطنيها وخاصة الحماية من الحريق فقد تضمن الكود لوائح واشتراطات متطلبات الحماية من الحريق والتي تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة أنظمة حماية المباني والمنشآت من الحريق. ولحماية المنشآت القائمة ضد الكوارث الزلزالية وخاصة في المناطق المعرضة للزلازل بالمملكة فقد تضمن الكود بعض اللوائح التي تتعلق بتقييم وتأهيل المنشآت القائمة، وإضافة لذلك فهناك لوائح واشتراطات أخرى قد ترى اللجنة ضرورة لإعدادها وإصدارها لاحقا ومنها استغلال الطاقة الشمسية التي بدأ الاهتمام يتزايد نحو تبنيها واستخدامها.
ولقد اتبع كود البناء السعودي صياغة ممزوجة بين النموذج الوصفي والنموذج الأدائي لكتابة بنوده، ويحقق النموذج الوصفي للصياغة أهداف وأغراض الكود ضمنياً وذلك من خلال التركيز على معايير معينة تحدد القيم الحرجة سواء أكانت القيم الدنيا أم القيم القصوى، بينما يحقق النموذج الأدائي نفس الهدف ولكن من خلال إيضاح الأهداف والأغراض الرئيسية والجزئية المحققة لحلول مقبولة تعتبر بدائل يمكن المفاضلة بينها على أساس الأهمية والأولوية.
- أستاذ الهندسة الكهربائية – جامعة الملك سعود
عضو اللجنة الفنية لكود البناء السعودي