مع إشراقة شمس كل يوم يتوجه نحو 167 ألف عامل وعاملة معظمهم من السعوديين إلى قلاعهم الصناعية في مدن الهيئة الملكية الأربع الجبيل، وينبع، ورأس الخير الصناعية، وجازان للصناعات التأسيسية والتحويلية التي تبلغ مساحاتها الإجمالية 1906 كلم2، وهو ما يعادل ضعفي ونصف مساحة سنغافورة، ويقطنها ما يزيد عن 404 آلاف نسمة. وهذا العدد من الكوادر البشرية يشير إلى ضخامة حجم العمل الذي يتم في مدن الهيئة، بفضل قدرتها على جذب العديد من الشركات المحلية والعالمية الرائدة في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال الصناعات البتروكيميائية، حتى تجاوز حجم الاستثمار فيها أكثر من ألف مليار ريال، ليبلغ إنتاج الشركات والمصانع أكثر من 281 مليون طن سنوياً.
وقد جاء تدفق الاستثمارات إلى مدن الهيئة الملكية في ظل المناخ الاستثماري النموذجي الخصب الممتد عبر عقود من العمل الدؤوب المتفاني حيث توافر الأراضي المطورة بأسعار تنافسية، وبنى تحتية للأراضي الصناعية بما فيها مياه التبريد والمياه المستخدمة في الصناعة. إضافة إلى أحياء سكنية تضم أكثر من 60 ألف وحدة سكنية، تخدمها مراكز صحية قوامها ستة مستشفيات و24 مجمعاً ومركزاً صحياً، كما تتوفر للساكنين مؤسسات تعليمية عالية التطور من مدارس بلغ عدد طلابها وطالباتها أكثر من 61 ألفاً، وكليات ومعاهد بلغ عدد طلابها وطالباتها نحو 17 ألفاً. فضلاً عن المراكز التجارية والاجتماعية والترفيهية.
في وقت وفرت الهيئة في هذه المدن شبكة إمداد وممرات لتوصيل الغاز اللقيم والغازات الصناعية والمواد الخام والمنتجات بين الشركات وبينها وبين الميناء الصناعي وبإيجار مناسب حسب نوع الاستخدام. كما يحاذي المناطق الصناعية في مدن الهيئة موانئ صناعية وتجارية تقدم خدمات متنوعة تخدم نشاطات المنشآت الصناعية من حيث الاستيراد أو التصدير. وقد بلغ حجم الصادرات من هذه الموانئ أكثر من 154 مليون طن سنوياً، فيما بلغ حجم الواردات إليها نحو 41 مليون طن. وتستطيع الشركات هناك نقل المواد الخام والمنتجات فيما بينها وصولاً إلى الموانئ عبر سكك حديد متطورة. ومن الحوافز التي تحظى بهذا الشركات العاملة في مدن الهيئة الملكية التمويلات المالية من صندوق التنمية الصناعية السعودي، الذي يصل إلى ما يقارب 75 % من المشروع، والاتفاقيات الصناعية التي تبرم لأجل طويل يصل إلى ثلاثين عاماً.
استثمارات صناعية غير مسبوقة
وتتنوع مجالات الاستثمار الصناعي في المدن التابعة للهيئة وتشمل الصناعات البتروكيميائية، والمواد الكيميائية المتخصصة، وصناعات البلاستيك والإطارات، وقطع غيار محطات تحلية المياه، وقطع غيار المحركات والقطع الكهربائية، ومجالات الطاقة المتجددة، والمطاط، والأجهزة والمعدات، والأغذية، وصناعات الصلب الثقيل والخفيف، ومجالات التخلص من النفايات وإعادة تدويرها. كما تتنوع مجالات الاستثمار التجاري حيث تشمل المجمعات والمراكز التجارية، وأحياء العمال، والمجمعات السكنية المغلقة، والمباني الإدارية، ومحطات الوقود، والفنادق والشقق الفندقية، والعمائر السكنية، والمدارس الخاصة، وروضات الأطفال، والبنوك والخدمات المصرفية، والمراكز الطبية من مستشفيات وعيادات وصيدليات، إضافة إلى النوادي الرياضية والمراكز الترفيهية والمطاعم.
كما يمكن لكافة المستثمرين اقتراح أفكار استثمارية جديدة من خلال تقديم دراسة مبدئية للفكرة الاستثمارية لتتم دراستها لمعرفة مدى مناسبتها والمواقع الملائمة لها. وتقدم الهيئة الملكية عدداً من المبادرات الاستثمارية، كمبادرة رحلة المستثمر (لجنة تيسير) و(صناعي) و(مراس)، وتعمل الهيئة على الربط مع صندوق التنمية الصناعية السعودية عبر مبادرة (أرض وقرض) فضلاً عن مركز أعمال الهيئة الملكية الشاملة التي تخدم كافة الأغراض في موقع واحد (One Stop Shop).
وبفضل هذه الاستثمارات الضخمة غدت الهيئة الملكية واحداً من الأذرع الاقتصادية في المملكة، حيث بلغت حصة المدن التابعة لها من إجمالي الاستثمارات الأجنبية الواردة للمملكة 37 %، لتساهم بنسبة 12 % من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، و65 % من إجمالي ناتجها الصناعي و71 % من إجمالي صادراتها الصناعية، لتكون بذلك الخيار الأفضل للمستثمرين في صناعة البتروكيميائيات والصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة والمساهم الرئيس للنمو بالمملكة.
دعم القيادة الرشيدة اللامحدود
ويكمن سر هذا النجاح في دعم القيادة الرشيدة غير المحدود الذي تلقته الهيئة الملكية منذ إنشائها. فقد منحها مرسوم التأسيس الصادر في 1977م الاستقلالية الإدارية والمالية لبناء وتشغيل مدينتين صناعيتين في كل من الجبيل وينبع وفق أعلى المعايير العالمية بأسلوب إداري فريد من نوعه في المملكة والمنطقة العربية، حيث تعمل الهيئة الملكية وفقاً لمفهوم الإدارة الشاملة عبر تسع قطاعات، وهي:(التخطيط الشامل، والتجهيزات الأساسية، والتشغيل والصيانة، وتشجيع الاستثمار، والأمن والسلامة، والصحة وخدمة المجتمع، والتعليم، وتأهيل القوى العاملة، وحماية البيئة).
الجبيل2 وينبع2
ولقد بدأ العمل الفعلي على أرض الميدان عام 1397هـ عندما وضع جلالة الملك خالد ـ رحمه الله ـ حجر الأساس لمدينة الجبيل الصناعية وبعدها بسنتين وضع حجر الأساس لمدينة ينبع الصناعية، وأسند مهمة المتابعة والإشراف للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله حينما كان ولياً للعهد آنذاك الذي ترأس وقاد مجلس إدارة الهيئة الملكية عن كثب وبكل اقتدار، وتحقق على يده الحلم ببزوغ فجر الجبيل وينبع الصناعيتين، واستمر اهتمامه، رحمه الله، بالهيئة الملكية ومدنها حتى شهدت في عهده قفزات هائلة مكنتها من تبوء مكانة عالمية.
وفي الفترة الواقعة بين عامي 1419-1430هـ كانت الهيئة الملكية للجبيل وينبع والمدن التابعة لها على موعد مع مرحلة جديدة في تاريخها، كانت السمة الرئيسية لها الرعاية الشخصية والاهتمام المباشر من لدن الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله إبان ولايته للعهد وبعد تسلمه مقاليد الحكم، وشهدت الهيئة الملكية خلالها انطلاق مشروعات الجبيل2 وينبع2 لاستيعاب الاستثمارات المتزايدة في مدنها. وقد تفضل الملك عبدالله رحمه الله بوضع حجر الأساس للجبيل2 في 1425هـ وحجر الأساس لينبع2 في 1426هـ. كما تشرفت الهيئة الملكية في 1430هـ بتكليفها بإدارة وتشغيل مدينة رأس الخير لتوفير الخدمات لصناعات التعدين والصناعات الأخرى على نمط مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين.
مباركة الملك سلمان
إلا إن ذروة الهيمنة السعودية الصناعية العالمية بلغت أوجها بمباركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله الذي غير المشهد الاستثماري الصناعي برمته حتى صدرت أوامره يحفظه الله في 1436هـ بتكليف الهيئة الملكية بإدارة وتشغيل مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية لتصبح المدينة الصناعية الرابعة التابعة لها. وقد بدأت الهيئة الملكية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز فصلاً تاريخياً جديداً في مسيرتها الناجحة حيث تفضل حفظه الله في 1438هـ بوضع حجر الأساس وتدشين جملة من المشروعات في مدينة الجبيل الصناعية بأرقام ضخمة جداً فاقت استثماراتها 216 مليار ريال، وتفضله حفظه الله بوضع حجر الأساس للمركز الاقتصادي للجبيل الصناعية الذي من المنتظر أن يصبح مركزاً إقليمياً للجزء الشمالي من المنطقة الشرقية، إضافة إلى تدشين مشروعات البنية الأساسية التنموية والتعدينية في مدينة رأس الخير الصناعية ليضع المدينة على خارطة المنظومة الإنتاجية المتكاملة لاقتصاد الوطن.
تلاحم الهيئة و»ندلب»
وفي توافق وانسجام مع رؤية المملكة 2030 التي تبلورت على يدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يحفظه الله، قدمت الهيئة الملكية 50 مبادرة في برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية «ندلب» أحد برامج الرؤية حيث ستعمل المبادرات على توفير بيئة استثمارية جاذبة في ظل التنافس الاقتصادي الدولي، وزيادة حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوطين الخدمات والتقنية، ورفع كفاءتها، واستحداث الوظائف للمواطنين، وتنويع مصادر الدخل الوطني وتعزيز إيرادات الدولة.