حذر إمام وخطيب المسجد الحرام سعود بن إبراهيم الشريم من التعصب، وقال في خطبة الجمعة: إنه يفتك بصاحبه فتكاً حتى يجعل صدره ضيقاً حرجاً، لا يرى معه إلا نفسه ومن كان في دائرة عصبيته، بخلاف السماحة، التي تجعل صدر صاحبها دوحة واسعة الظل، ينعم بظلها كل أخ له في الدين، مهما كان بينهما من فروق اجتماعية، أو اختلاف تنوع لا تضاد فيه، ولا يبتر الأصول الجامعة بينهما تحت راية الدين العادلة، وقال الشريم: إن التعصب طاقة مهدرة، وجهد مضاعف، تم بذله في غاية غير حميدة، وهو لوثة عقلية، تنسج خيوطاً من أوهام التميز المغشوش، الناجم عن شعور باختصاص لا يدانى، وعظمة لا تجارى، وانتفاخة هر يحاكي بها المتعصب صولةَ الأسد الهصور، وتلك لعمر الله خيوط رقيقة، يتمسك بها المتعصب كمثل خيوط العكنبوت التي اتخذت منها بيتاً، قال الله تعالى: (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).
وأكد الشريم أن التعصب لم يأت بلفظه ومعناه في الكتاب والسنة إلا على وجه الذم، وأنه ضرب من الطبائع الجاهلية التي لا تستوي مع مكارم الإسلام ومصالحه، فقد قال الله جل شأنه: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية)، وقال فضيلته: إذا كان التعصب مذموماً في الشريعة الغراء، فإنه يدخل في حكمه كل وسيلة تذكيه، سواء كانت على صورة أفراد أو هيئات أو جماعات أو نوادٍ، وسواء كان نثراً أو شعراً أو شعاراً، فإن ما حرمت غايته حرمت وسيلته، وإذا أحسن ضبط الوسائل فلن توصل إلى غايات مذمومة، والمرء العاقل يدرك أن التعصب ضرب من الكبر والاستعلاء وادعاء الكمال، والحقيقة أن للمتعصب عورات وللناس ألسناً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”، وقال الشريم: لقد جعل الله لأمة الإسلام في كتابه العزيز وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما تشتبك به صلاة أهل الإسلام وتستوثق عراهم ليكونوا من جهة التماثل أكفاء أبوهم آدم وأمهم حواء فلا يفخر أحد على أحد ولا يفضل أبيض أسود ولا عربي عجمياً إلا بمقدار ما يحمله في نفسه من تقوى الله الذي جعلها معيار الفضل والكرامة، وأن أنسابهم وألوانهم ولغاتهم منطلق تعارف، كما قال جل شأنه: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وأكد الشريم أن المسلمين اتفقوا جميعا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلق نسبا ودينا ورسالة،وأعظمُهم جاهًا عندَ الله، لا جاهَ لمخلوق أعظمُ من جاهه، ولا شفاعةَ أعظمُ من شفاعته، فلم يتعصب لذلك، ولم يبغ به على أحد، بل هو القائل: “أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر، وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر، وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر، ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ” رواه ابن ماجة وأصله في الصحيحين، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلكم بما أرشد به أمته وبدأهم فيه بنفسه ليقتدوا به وفيه الأسوة والقدوة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله” ، وحاصل الأمر عباد الله أن التعصب باب شر على العباد، وإذا فتح تعسر إغلاقه، وهو مذموم غير محمود، وإن كان المرء لابد فاعلا فليكن تعصبه لمكارم الأخلاق، وجميل الخصال والعض عليها بالنواجذ، فذلكم التعصب الذي لا يذم، والتمسك الذي يغبط عليه صاحبه.