بعد تسجيل القطاع غير النفطي أدنى مستويات النمو عند 0.2 % في العام 2016، عاد النمو وتحسن تدريجياً ليصل إلى 2.5 % على أساس سنوي في النصف الأول من العام 2019 على وقع توسع الحكومة في الإنفاق العام، بما في ذلك النفقات المرتبطة بخطة تحفيز القطاع الخاص.
ووفق تقرير بنك الكويت الوطني، متوقع استمرار هذا التوجه، على أن يسجل القطاع غير النفطي نمواً يتراوح ما بين 2.2 % و2.5 % خلال الفترة الممتدة ما بين العامين 2020- 2022، وتستند توقعاتنا إلى افتراض عدم اتخاذ الإنفاق الحكومي اتجاها تصاعدياً في السنوات المقبلة (كما هو مستهدف في بيان الميزانية العامة الذي نشر مؤخراً) والذي من الممكن أن يحد من معدلات نمو القطاع غير النفطي.
ومن جانب آخر، عاد قطاع الإنشاءات للتوسع مجدداً بعد أن شهد ثلاثة أعوام متتالية من الانكماش، ويرجع ذلك التوسع إلى إطلاق العديد من المشروعات الضخمة في الرياض والذي يتضح في زيادة عدد المشروعات التي تمت ترسيتها في العام 2019، بالإضافة إلى الارتفاع القوي في النمو السنوي لمبيعات الإسمنت منذ يونيو 2019.، ويعتبر التمويل العقاري السكني للأفراد عاملا إضافيا محفَزا للقطاع غير النفطي، حيث ارتفع بنسبة 33 % على أساس سنوي بنهاية سبتمبر.
معدلات نمو مرتفعة
وإلى جانب ذلك، يعد استمرار تحقيق معدلات نمو مرتفعة منذ منتصف العام 2019 في الاعتمادات المستندية الجديدة المفتوحة للقطاع الخاص مؤشراً إيجابياً وكذلك تسجيل مؤشر مديري المشتريات في نوفمبر أعلى مستوى له منذ أكثر من أربعة أعوام. أما على الجانب السلبي، فقد أظهرت بيانات قطاع الصناعات التحويلية تدني النشاط إلى أضعف مستوى له منذ عدة سنوات، حيث كان النمو سلبيا في النصف الأول من العام 2019. وبالإضافة إلى ذلك، ظل نمو الائتمان الممنوح للشركات ضعيفاً عند مستوى 1 % على أساس سنوي بنهاية سبتمبر، علما أنه من الضرورة بمكان أن يشهد ذلك بعض التحسن حتى يسجل القطاع غير النفطي ارتفاعا في النمو مقارنة بالمستويات الحالية.
أما بالنسبة لقطاع النفط، فبالرغم من القرار الأخير لمنظمة الأوبك وحلفائها بتخفيض الإنتاج بنسبة إضافية، إلا أن السعودية ما زال بإمكانها زيادة الإنتاج تدريجياً للوصول إلى الحصة المقررة الجديدة وذلك نظراً لإفراطها الحالي في الالتزام بتقليص الإنتاج. وبالتالي، نتوقع تسجيل الناتج المحلي الإجمالي النفطي نمواً إيجابياً بسيطاً في العام 2020 والأعوام التالية في أعقاب التراجع المتوقع بنسبة قدرها 2.9 % في العام 2019، كما نتوقع أن يصل متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في السعودية 2 % خلال الفترة ما بين العامين 2020 – 2022. وفي أعقاب الانكماش الذي شهدته أسعار المستهلك في العام 2019 (نتوقع انكماشا قدره 1.2 % على أساس سنوي) والذي يعزى بصفة رئيسة إلى تراجع إيجارات العقارات السكنية، نتوقع زيادة مستويات التضخم في المستقبل لتبلغ نحو 1.6 % – 1.7 % في ظل توسع الاقتصاد غير النفطي وخفض إضافي في دعم الطاقة خلال العام 2020، هذا إلى جانب عودة ارتفاع الإيجارات السكنية. ونتوقع أن تساهم عدة عوامل كاستقرار الإنفاق الحكومي وتسجيل القطاع غير النفطي معدلات نمو معتدلة واستمرار تسجيل معدلات بطالة مرتفعة نسبيا في كبح جماح مستويات التضخم.
تحقيق التوازن المالي بحلول 2023
نتوقع أن ينخفض عجز الموازنة إلى نحو 4.6 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019 قبل أن يرتفع مجدداً إلى 7 % في العام 2020 وذلك على خلفية انخفاض العائدات النفطية بصفة رئيسة، ونلفت الانتباه أن توقعاتنا لعجز الموازنة للعام 2020 هي أعلى من المعدل المستهدف بحسب بيان الميزانية العامة (6.4 % من الناتج المحلي الإجمالي)، بسبب الارتفاع البسيط في الإنفاق الحكومي المفترض مقارنة بمستواه المستهدف في الميزانية. ونتوقع أن يساهم النمو البسيط في الإيرادات وثبات مستوى الإنفاق الحكومي بشكل عام في خفض عجز الموازنة إلى 5.2 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022، إلا أنه من المستبعد التوصل إلى إطفاء عجز الموازنة بحلول العام 2023 على النحو المستهدف في برنامج “تحقيق التوازن المالي”. ومن جهة أخرى، نرى أنه ربما يجب على الحكومة أن تخفف القيود الخاصة بسقف الدين كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي حددته عند 30 % كحد أقصى، حيث نتوقع أن يصل الدين الحكومي إلى نحو 32 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2022. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تعكس الميزانية العامة في السنوات القادمة مستويات إنفاق منخفضه نسبيا، حيث من المرجح أن يلعب صندوق الاستثمارات العامة دوراً أكبراً في الاقتصاد المحلي، وكما ستساهم العائدات من حصيلة الطرح العام الأولي لشركة أرامكو (بواقع 25.6 مليار دولار) وإمكانية بيع حصص إضافية من أسهم الشركة في المستقبل في تعزيز ودعم الإنفاق الحكومي.
وبعد التراجع الذي شهده الحساب الجاري في العام 2019 على وقع انخفاض الصادرات النفطية، نتوقع استمرار تسجيل فوائض في هذا الحساب لتبلغ نحو 4 % – 5 % من الناتج المحلي الإجمالي حتى العام 2022 بدعم من ارتفاع الصادرات غير النفطية في المدى المتوسط بما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030 وانخفاض تحويلات الوافدين نتيجة لسياسات السعودة المستمرة، وفيما يخص ميزان المدفوعات الكلي، وعلى الرغم من التحسن البسيط في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في الآونة الأخيرة، إلا أنه لا يزال منخفضاً عند نسبة 0.5 % من الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من العام 2019. ومن الضرورة بمكان أن يشهد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بعض التحسن حتى يسجل القطاع غير النفطي ارتفاعا في النمو مقارنة بالمستويات الحالية.
ويعد تراجع أسعار النفط عن المعدلات المتوقعة والتوترات الجيوسياسية الإقليمية هما أبرز المخاطر التي تهدد الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي، وعلى الرغم من استمرار اعتماد الاقتصاد السعودي بصفة رئيسة على الإيرادات النفطية، إلا أن أي تدهور كبير في العوامل الجيوسياسية قد يؤثر سلباً على استثمارات قطاع الاعمال وثقة المستهلكين، وعلى الصعيد المحلي، يعتبر تأجيل أو تقليص تطبيق الإصلاحات الاقتصادية من ضمن المخاطر الرئيسة، هذا بالإضافة إلى عدم التمكن من توفير المزيد من فرص العمل للسعوديين في القطاع الخاص إذ أنه بالرغم من خروج أعداد كبيرة من الوافدين من سوق العمل في القطاع الخاص منذ العام 2017، إلا أننا لم نشهد ارتفاعاً ملموساً في مستويات توظيف السعوديين في ذلك القطاع.