أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: “إنَّ في وصايا القرآن الحكيمِ ذكرى لأولي الألباب، وهي نورٌ من نورِ اللهِ، يهدي به من يشاءُ من عباده، وفي طيِّها من أسرار القرآن وعجائبه ما لا يُحاطُ به، ولا يُوقَفُ على غَورِه، ولا غَرْوَ، فهو كلامُ الحكيمِ العليم ، مبيناً أن خيرُ الوَصايا ما خرج من مشكاة الحكمة، وأُلْبِسَ لبوسَ العطف والرَّحمة، وذلك بيِّنٌ كل البيان فيما حكاهُ سبحانه عن عبده لُقمانِ، العبدِ الصَّالح الذي فجَّر الله في قلبه ينابيع الحكمة، فجرى بها لسانُه عذبًا نميرًا، وسارَتْ حكمتُه في النَّاسَ مَثَلا .
وأوضح فضيلته أن أعظمُ الحقوق لله سبحانه وأوَّلُها وأولاها على عبيده حقُّ التَّوحيدِ، الخالصِ من الشِّركِ، ولا غَناءَ للعبد إلا به، وإلا فهو كمن تخطَفُه الطَّيرُ أو تهوي به الرِّيحُ في مكانٍ سحيق ، كماعظَّم أمرَ الشِّرك وجعله ظلمًا عظيمًا؛ لأنَّه تسويةٌ بين الخالق والمخلوق، وبين من له الأمر كلُّه، ومن ليس له من الأمر شيءٌ، فكيف يذِلُّ المخلوقُ لمخلوقٍ مثلِه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا .
وأفاد الدكتور بليلة أنَّهُ ليسَ حقٌّ بعد حقِّ الله كحقِّ الوالدَينِ، فكانت الوصيُّةُ ببرِّهما وشُكرِ معروفهما، والإحسان إليهما قرينةَ الوصيَّة بتوحيد الله تعالى ، وتفضُلُ الأمُّ بمشقَّةٍ على مشقِّةٍ، وتعبٍ في إثر تعبٍ، ولا يزيدها التَّعبُ والوهنُ إلا حُنوًّا، فهي وعاءُ النَّسْل، وظَرفُ الحَمْلُ، بل هي زينةُ الحياة، وزهرةُ الجَناة.. وهي بيتُ الجمال، وموطِنُ الدَّلال، ومسكنُ الضَّعف، ومهبِطُ العطف.
وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أنه إذا بلغَ الأمرُ بالأبَوَين أن يدعوا ولدهما إلى الشِّرك؛ فإنَّ حقَّهما في البرِّ والمصاحبة باقٍ، مع ترك طاعتهما في معصية الله والشرك به سبحانه، وليسَ وراءَ هذا التَّعظيمِ لحقهما تعظيمٌ، وليس بعد هذه الرِّعاية لشأنهما رعاية .
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن شعارُ المؤمنين، وراحةُ العابدين، وقُرَّةُ عيون المُنيبين قد وُضِعَتْ في شريعة الإسلام على أكمل الوُجوه وأحسنها، التي تعبَّدَ بها الخالقُ؛ فهي مشتملة على الثناء والحمد، والتمجيد والتسبيح والتكبير، وشهادة الحق، والقيام بين يدي الرب مقام العبد الذليل الخاضع الـمُدَبَّر المربوب، والتضرع والتقرب إليه بكلامه، ثم انحناء الظهر ذلاًّ له وخشوعا واستكانة ، ثم استوائه قائما ليستعد لخضوع أكمل له من الخضوع الأول ، وهو السجود من قيام؛ فيضع أشرف شيء فيه – وهو وجهه – على التراب خشوعا لربه، واستكانة وخضوعا لعظمته، وذلا لعزته، قد انكسر له قلبه ، وذل له جسمه ، وخشعت له جوارحه ، ثم يستوي قاعدا يتضرع له ، ويتذلل بين يديه ، ويسأله من فضله ، ثم يعود إلى حاله من الذل والخشوع والاستكانة، فلا يزال هذا دأبه حتى يقضي صلاته، فيجلس عند إرادة الانصراف منها مثنيا على ربه، مسلما على نبيه وعلى عباده، ثم يصلي على رسوله، ثم يسأل ربه من خيره وبره وفضله.
ولفت الدكتور بليلة إلى أن أواخِرُ الوصايا النُّورانيَّةِ تنبِّه على أدبِ المرء في نفسِه، وأدبهِ مع النَّاس، بعدَ أنْ نبَّهتْ أوائلُها على صِلَته بربِّه عقيدةً وعملًا ، فنهى سبحانه عن تصعير الخدِّ للناس: وهو إمالته عنهم والإعراض تكبُّرًا واختيالًا ، وعن المشي في الأرض مرحًا وهو كنايةٌ عن العُجب بالنَّفس والفخر بها ، فجاءتْ وصيَّتُه متضمِّنةً الحثَّ على التَّواضع، وخفضِ الجناح، ولين الجانب، وهذه من أحسن الأخلاق وأقربها إلى نيل محبَّة الربِّ تعالى، ومحبَّة خلقه.