قبل 18 شهرًا، بدأ المسؤولون العسكريون الأمريكيون في البنتاغون، مناقشة خطط استهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي قتل في ضربة جوية أمريكية مطلع يناير الجاري.
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، بعضًا من تفاصيل تعقّب سليماني وصولًا إلى لحظة تصفيته في فجر 3 يناير الجاري، في جوار مطار بغداد الدولي؛ مُسلّطة الضوء على “جيش الجواسيس” الذي وصف تحركاته الإقليمية بدقة.
وكانت السلطات العراقية قد اعتقلت سوريًّا وعراقيًّا، وأخضت مسؤولًا استخباراتيًّا في مطار بغداد للتحقيق؛ لمعرفة كيفية تسرب معلومة وصول سليماني إلى المطار؛ حيث تم استهدافه بعد ذلك بدقائق.
ووفق ما نقلته “سكاي نيوز”، يبدو أن الأمر أوسع من ذلك بكثير؛ فشبكة الجواسيس كانت تحيط بقائد فيلق القدس في كل مكان تقريبًا.
رأس سليماني أولوية
ولم يكن سليماني بعيدًا عن أعين استخبارات الولايات المتحدة التي راقبته لسنوات، خاصة بعدما أدرجت القوة التي يقودها على لائحة الإرهاب الأمريكية في عام 2007.
لكن مسار التخطيط لتصفية سليماني أصبح يحتل أولوية المسؤولين الأمريكيين في مايو الماضي تحديدًا، عندما بدأت إيران في استهداف ناقلات النفط في الخليج العربي وخليج عمان.
وطلب مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها جون بولتون، من الجيش وأجهزة المخابرات، تقديم خيارات لردع الاعتداءات الإيرانية.
وكان من بين الخيارات المطروحة على بولتون، تصفية سليماني وعدد آخر من القادة الإيرانيين، وعندها تكثفت عمليات تعقب القيادي البارز في الحرس الثوري، رغم أنها كانت قائمة منذ سنوات.
وفي سبتمبر الماضي، باشرت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط وقيادة العمليات الخاصة، العمل على عملية محتملة لقتل سليماني، مهندس التمدد الإيراني في المنطقة عبر المليشيات.
وبالفعل، بدأ عملاء في سوريا والعراق جرى تجنيدهم لهذه الغاية، في الإبلاغ عن تحركات قائد فيلق القدس؛ وفقًا لما قاله مسؤول أمريكي لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وطوال أشهر، كان المسؤولون الأمريكيون يناقشون مكان قتل سليماني، وتوصلوا إلى أنه من الصعب اغتياله داخل إيران، واعتقدوا أن من الأفضل قتله في سوريا أو العراق.
جواسيس في 7 كيانات
وقالت الصحيفة: إن المخابرات الأمريكية جنّدت شبكة عملاء في كيانات عسكرية وشبه عسكرية لملاحقة تحركات سليماني، الذي كان يتعامل مع هذه الكيانات.
والكيانات هي: الجيش السوري، وفيلق القدس في دمشق، ومليشيات حزب الله اللبناني في دمشق، وموظفون في مطارات دمشق وبغداد، ومليشيات كتائب حزب الله العراقي، ومليشيات الحشد الشعبي العراقي.
ورصدت الولايات المتحدة اتصالات بين سليماني وكتائب حزب الله العراقي؛ مفادها أن طهران تريد الإبقاء على الضغط الممارس على القوات الأمريكية في العراق لكن بمستوى منخفض؛ في إشارة إلى إطلاق الصواريخ المتكرر على القواعد العسكرية.
وتُظهر المعلومات التي حصلت عليها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أن سليماني كان يسافر على متن عدد من شركات الطيران، ويشتري عدة تذاكر سفر في محاولة للتمويه.
وكان القيادي يجلس في مقاعد درجة رجال الأعمال، ويكون آخر شخص يصل إلى الطائرة قبيل إقلاعها، وأول من يغادرها.
مرصود لحظة بلحظة
وتقول المصادر الأمريكية: إن سليماني سافر في أول يوم من 2020 إلى دمشق بالطائرة، ومن هناك استقل سيارة إلى بيروت؛ حيث الْتقى بزعيم مليشيات حزب الله حسن نصر الله.
وفي اليوم ذاته، بدأت المعلومات تصل تباعًا إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” في لانغلي بولاية فرجينيا، وتشير إلى أن سليماني كان يخطط لشن هجمات على سفارات وقواعد أمريكية.
وقال مسؤولون في المخابرات الأمريكية: إن عواقب عدم اغتيال سليماني تفوق الاغتيال نفسه؛ فيما وافق الرئيس دونالد ترامب على خيار قتل سليماني رغم أن بعض المسؤولين اعتبروا الأمر مخاطرة، ورأوا أن العملية تُعَد الخيار الأكثر تطرفًا لردع إيران.
وفي النهاية، نُفذت العملية عبر طائرة مسيرة قصفت موكب سليماني ونائب قائد مليشيات الحشد في العراق أبو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد.