من جديد، يناقش تحت قبة مجلس الشورى إلزام الوزراء وشاغلي المرتبة الممتازة بتقديم إقرارات ذمة مالية قبل تقلدهم المناصب في القطاع العام، فقد تمسك عضوا الشورى عبدالله المنيف ويوسف السعدون كما تأكد لـ «الرياض» بتوصيتهم الإضافية على التقرير السنوي لهيئة مكافحة الفساد – الرقابة ومكافحة الفساد حالياً -، مطالبين تبني آلية تلزم كافة القيادات الإدارية في القطاع العام، من الوزراء وشاغلي المرتبة الممتازة ورؤساء الأجهزة
والمؤسسات الحكومية والمديرين الماليين والإداريين، بتقديم إقرارات ذمة مالية مفصلة تسبق شغلهم للوظائف التي يكلفون لها، لتساعد في معرفة التغيرات المالية ومصادر الثراء، بعد أن رفضتها لجنة حقوق الإنسان والهيئات الرقابية ضمن توصياتها النهائية على تقرير سنوي أخير للهيئة، لتكون كلمة الفصل للمجلس الذي سبب أيضاً في توصية إضافية ثانية لتقييم أثر الفساد الإداري والمالي على التنمية الاقتصادية والمالية العامة من أجل الحد من آثاره
السلبية، وهي للعضو فهد بن جمعه، وقد بررها بمحاصرة الفساد على جميع مستوياته الهرمية من أجل تحسين الأداء الحكومي ورفع كفاءة الإنفاق وتحقيق أهداف رؤية المملكة، بما يخدم الاقتصاد والمجتمع ويوفر أفضل الخدمات، وتحديد مدى انتشار الفساد الذي يؤثر بشكل كبير على الأداء الحكومي والاقتصاد، إهدار المال العام، تباطؤ التنمية الشاملة. وقد ينتج عنه أزمات اقتصادية على المدى الطويل، كما حدث في كثير من بلدان العالم خاصة النامية والناشئة منها، مما يهدد أمن واستقرار الاقتصاد ومستقبل الأجيال الحالية والقادمة، وسوغ العضو بن جمعه توصيته أيضاً بتحديد تأثير الفساد على الاقتصاد والمجتمع بأسره نتيجة للتخصيص غير الفعال للموارد، وظهور اقتصاد الظل (التستر وأنشطة غير شرعية)، وانخفاض جودة التعليم والرعاية الصحية، مما يجعل الاقتصاد والمجتمع في أسوأ حال مع تدني مستويات المعيشة وارتفاع مؤشر أسعار المستهلك وتدني جودة السلع والخدمات نتيجة منح العقود وانتشار احتكارات القلة في الاقتصاد، وقال في ثنايا مبرراته أن العديد من الأبحاث التجريبية أكدت بأن الفساد يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي المرتبط بتدني حصة استثمارات القطاع الخاص من خلال زيادة حجم الاستثمارات العامة على حساب الاستثمارات الخاصة والذي يقلل من فعالية الاستثمارات العامة وتدهور البنية التحتية للبلد، ويحد من جذب الاستثمارات الأجنبية نتيجة الإجراءات البيروقراطية وعدم الشفافية، كما تقييم أثر الفساد يقلل من فرص العمل وتوظيف الأشخاص الأقل مناسبة وتأهيلاً، ومن الإيرادات الضريبية بما يمس بقدرة إدارة الدولة على جباية الضرائب والرسوم ودعم برامج المساعدة المالية المختلفة ويفاقهم من العجز المالي للبلاد، إضافة إلى أن تأثر الاقتصاد والمجتمع بدرجة عالية بالفساد يفقده الثقة بالقانون وسيادتها، والتعليم، وبالتالي نوعية الحياة من الأصول إلى الهياكل الأساسية والرعاية الصحية، كما يساهم التقييم بتحديد أهم مؤشرات الفساد الاقتصادية والمالية.
ويصوت مجلس الشورى في جلسته الـ 28 المقرر عقدها يوم غدٍ الاثنين على توصيات لجنة حقوق الإنسان والهيئات الرقابية وردها تجاه ملحوظات الأعضاء وآرائهم فيما يخص أداء هيئة مكافحة الفساد – الرقابة ومكافحة الفساد حالياً – وقد طالبت التوصيات الهيئة بوضع آلية تنفيذية لاسترداد الأموال تنفيذا للأمر الملكي في هذا الشأن، والتوسع في تطبيق برنامج (تحقق) ليشمل جميع الجهات المشمولة باختصاص الهيئة، والإسراع في بناء مقراتها في الأراضي التي تمتلكها في جميع مناطق المملكة، ومراجعة أساليبها في معالجة استقبال البلاغات التي لا تقع ضمن اختصاصها وسرعة شغل الوظائف الشاغرة لديها بالكفاءات المتميزة والمؤهلة للتعامل بمهنية مع حالات الفساد، والتوسع في الربط الإلكتروني للهيئة مع مختلف القطاعات ذات العلاقة.
وأكد تقرير لجنة الهيئات الرقابية سعي الهيئة للحفاظ على المال العام للدولة من خلال رقابتها على الجهات المشمولة باختصاصها، ووفقاً لذلك لا بد أن تكون الهيئة أنموذجاً ومثالاً يحتذى به في الحفاظ على المال العام وترشيد الاستهلاك، إلا أن وضع الهيئة الراهن واعتمادها على المباني المستأجرة وما يتبع ذلك من سلبيات قد يؤدي إلى زعزعة تلك الصورة المؤملة منها، حيث إن المباني المستأجرة تشكل عبئاً على الدولة نظراً للهدر المالي الذي تسببه، وقيمة الإيجار الغالية، وعدم مناسبتها للمواصفات المطلوبة، وحيث إن الهيئة قد مضى على تأسيسها أكثر من ثمانية أعوام وما زالت تستخدم مباني مستأجرة سواء في المقر الرئيس في الرياض أو باقي فروعها الثمانية، بالرغم من أن الهيئة قد خصصت مجموعة من الأراضي في مختلف مناطق المملكة، وهي في مرحلة استكمال إجراءات إصدار الصكوك لتلك الأراضي، وهذا يسهل مهمة الاستغناء عن المباني المستأجرة، وعليه ترى اللجنة ضرورة المسارعة بناء تلك الأراضي، والاستغناء عن المباني المستأجرة.
وفيما يخص برنامج (تحقق) المتعلق بإخضاع الجهات للبحث والتحقق وفي بعض المعايير التي تشمل ما يرصد على الجهة من بلاغات، جاءت توصية التوسع في تطبيق هذا البرنامج ليشمل معظم الجهات المشمولة باختصاص الهيئة وفق إمكاناتها المتاحة، ولفتت إلى أن البرنامج اعتمد في مرحلته الأولى والثانية على الجهات التي لها نشاط استثماري، أو اقترن نشاطها بمخاطر عالية في ضوء تحليل البيانات والمعلومات الواردة، ونظراً لأهداف البرنامج السامية ونتائجه المثمرة، منها ما ذكر في التقرير عن اكتشاف حالات فساد وتجاوزات تم إحالة بعضها إلى المقام الكريم وإحالة البعض الآخر إلى الجهات الرقابية المختصة، واستناداً إلى أن البرنامج يشمل جانباً وقائياً يمكن من خلاله تطوير سياسات وإجراءات العمل، وجانب علاجي يمكن من خلاله رصد المخالفات ومعالجتها وفق الاختصاص، وحيث إن البرنامج يعتمد على البلاغات بشكل رئيس مع أن البلاغات لا تعبر عن الحجم الحقيقي للفساد في ظل إحجام كثير من المبلغين.
وفي مبررات توصية «حقوق الإنسان والهيئات الرقابية» الخاصة بمراجعة أساليب الهيئة في معالجة استقبال البلاغات، عدَّت اللجنة البلاغات ركيزة أساسية في عمل الهيئة اعتمدت عليها كثيرا ًفي مكافحة الفساد، بل واعتبرت الهيئة البلاغات الواردة من المعايير الأساسية في إخضاع الجهة للبحث والتحقق وفق برنامج (تحقق)، كما أن قاعدة المعلومات الوطنية جعلت من البلاغات الواردة أساسا في بياناتها الداخلية، إضافة إلى أن الهيئة تستند إلى البلاغات في إعطاء أحكام عن حالة الفساد حيث عزت انخفاض عدد البلاغات المتعلقة بالخدمات المقدمة من الجهات الحكومية إلى تحسين مستوى الخدمات بشكل عام وذلك خلال سنة التقرير، ولفتت اللجنة إلى أن هذه النتيجة قد لا تتفق مع معطيات الواقع لا سيما وأن هناك أسباباً عدة لانخفاض البلاغات، وليس شرطاً كما ترى اللجنة الشوريَّة أن يكون ذلك دليلاً على تحسن الخدمات، وعليه أكدت ضرورة العناية بالبلاغات والمبلغين وتهيئة كافة السبل لاستمرار البلاغات واستيعابها، فالبلاغ عن الفساد بحد ذاته هو خطوة شجاعة في محيط يعد غير آمن بالشكل الكافي للمبلغين، وما زالت أنظمة الحماية في طور إقرارها، لذا فإن أقل ما يمكن تقديمه في الوقت الراهن هو استيعاب البلاغات والاهتمام بها تحفيزاً لثقافة التبليغ لدى المجتمع ، وترسيخاً لحس المسؤولية الوطنية لدى كافة الأفراد، لكن ما ورد في التقرير قد ينافي استمرار البلاغات، حيث ورد في التقرير أن الهيئة تلقت خلال سنة التقرير عشرة الآف و903 بلاغات وأن نسبة التي لا تدخل ضمن اختصاصاتها بلغت 65 %، وهي نسبة كبيرة تعني عدم الاستفادة من معظم البلاغات، علماً أن هذه النسبة – نسبة البلاغات التي لا تدخل ضمن اختصاصات الهيئة – قد زادت عن العام السابق لعام التقرير بـ ( 152 %)، وهو وحسب رأي لجنة الهيئات الرقابية ما يستدعي مراجعة أساليب العمل لتلافي مثل هذه البلاغات، ومضاعفة الجهود، والتعريف بالبلاغات التي تقع ضمن اختصاصها، منعاً للهدر الكبير في البلاغات، استثماراً للوقت والجهد على الطرفين، وتحفيزاً وتشجيعاً للمبلغين الذين ربما يحجمون عن البلاغات في حال إخبارهم أنها لا تقع ضمن اختصاصات الهيئة، حتى وإن قامت الهيئة بتوجيههم إلى الجهة المناسبة لاستقبال البلاغ.
ولأهمية الدور الذي تقوم به الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وحرصاً على ضرورة قيامها بدورها ومهامها على أكمل وجه، طالبت توصيات الشورى الهيئة بسرعة شغل وظائفها بالكوادر المؤهلة، منبهةً على استشراء الفساد وخطورته وتنوع أساليبه – حسب تقرير الهيئة – وكثرة مظاهره، وما ورد في تقرير الهيئة من عدم توظيف الكوادر بالنسبة الكاملة وأن هناك نقصاً في الشواغر المؤهلة في مختلف التخصصات، ووجود حاجة ماسة لكوادر مؤهلة للتعامل بمهنية مع حالات الفساد، وخاصة الحالات التي طرفها الشركات المساهمة التي تملك بها الدولة نسبة 35 % من رأس مالها، حيث إن الفساد المالي والإداري لا ينحصر في العقود التشغيلية والشأن العام، فهناك شركات أعلنت إفلاسها بسبب تعارض المصالح بين الملاك والإدارة، والمحاباة في التعيينات على حساب الكفاءات، وضعف أنظمة الرقابة الداخلية، والتلاعب بالقوائم المالية حدود استخدام الصلاحيات الممنوحة، وإهمال المعايير الأخلاقية، وعدم الالتزام حوكمة الشركات، وشددت اللجنة الشوريَّة على أن الهيئة بحاجة ماسة إلى توسيع نطاق خدماتها المهنية من خلال سرعة شغل الوظائف المعتمدة في ميزانيتها واستقطاب الكفاءات من المتخصصين القادرين على اكتشاف أي تجاوزات أو عمليات فساد أو احتيال ضمن الحالات وغيرها.
إلى ذلك، قدَّر تقرير رقابي إجمالي المبالغ المطلوب استردادها الناتجة عن جرائم فساد (1،5) مليار ريال، والتي صدر فيها أحكام نهائية وتتابع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد التواصل مع الجهات المختصة من أجل استرداد تلك الأموال وفقاً للفقرة السادسة من المادة الثالثة من تنظيم الهيئة التي تنص على أن لها اختصاص «متابعة استرداد الأموال الناتجة عن جرائم الفساد»، وقد بلغ عدد الحالات 23 حالة ابتداء من السنة المالية 33-1434، منها تسع حالات تم الانتهاء من متابعتها باسترداد المبلغ بشكل كامل، وبين تقرير أخير للهيئة أن نسبة ما تم استرداده فعلياً قرابة 3،3 %، مما يوضح انخفاض قدرة الجهات المعنية في استرداد الأموال، وأكدت الهيئة في تقريرها السنوي للعام 39-1440 استمرارها بمتابعة مهمتها في إعادة تلك الأموال، وثمنت الأمر الملكي القاضي بتوجيه الهيئة بالتعاون مع الجهات المعنية بوضع آلية لتنفيذ الفقرة السادسة من المادة الثالثة من تنظيمها المشار إليها، وتسعى من خلال ذلك إلى تجاوز مثل هذه الإشكالات مع الجهات المعنية ليتم استرداد الأموال بشكل أكثر فاعلية.
وتعمل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد على حوكمة سياسات وإجراءات استرداد الأموال والعائدات الناتجة عن جرائم الفساد، من خلال تطوير منصة إلكترونية لمتابعة استرداد العوائد الناتجة عن جرائم الفساد، تتضمن الربط مع الجهات القضائية والتنفيذية المعنية بذلك، مما يمنح الهيئة فرصة متابعة التنفيذ وتحديد مكامن الخلل في الآليات المتبعة، كما تعمل الهيئة على بحث موضوع تزامن التحقيق المالي الموازي مع التحقيق الجنائي في جرائم الفساد، لضمان عدم تصرف المتهم بعائدات الفساد أثناء المدة اللازمة لإجراء التحقيق والمحاكمة، وتعد الهيئة بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، دراسة بشأن استرداد الأموال والعائدات الإجرامية الناتجة عن قضايا الفساد، بما يعزز من جهود متابعة استرداد الأموال والعائدات، وتفعيل المتابعة والرقابة والمساءلة.