تخوض صناعة البتروكيميائيات السعودية أكبر قفزاتها وأوج ازدهارها بالهيمنة العالمية في الإنتاج والمبيعات محلقة بالمرتبة الأولى لسلسلة منتجات كيميائية أساسية وذلك رغماً عن ثورة الغاز الصخري الأميركي التي أرعبت المنتجين في العالم والأكثر هلعاً الشرق الأوسط بتلاشي تنافسية اللقيم، في الوقت الذي دشنت المملكة ثورتها الصناعية التحولية الكبرى الشاملة منذ ثلاثة أعوام، بعيداً عن تقليدية الصخري، يقود معتركها شخصياً ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، يحفظه الله، حيث يتبدل المشهد الصناعي التنافسي التقليدي برمته في دولة تعكف جاهدة على تعظيم الاقتصاد غير النفطي الذي يمثل روح الرؤية 2030 المرتكزة على تقييد عوائد الصادرات النفطية في الدخل الوطني بنسبة 50 % مطلع العقد القادم، في أكبر تحدٍّ وصفه العالم بالحلم الذي يراهن على تحقيقه سمو ولي العهد في رحلة مثيرة من التنمية الحقيقية لإيرادات المملكة غير النفطية التي تشهدها البلاد، حيث بلغت عند اطلاق الرؤية في 2016 قيمة 199 مليار ريال واستمرت في النمو القوي محققة قيمة 256 مليار ريال في 2017، وقيمة 294 مليار ريال في 2018، وقيمة 315 مليار ريال في 2019، وتوقع بلوغها 320 مليار ريال في 2020، فيما تستهدف بلوغها تريليون ريال في 2030.
واحتاجت المملكة لتعزيز مفهوم عدم اعتمادها على صادرات النفط كمورد أساسي لانفتاح أكبر وتحول أشمل في المنظومة البتروكيميائية السعودية ليحظى القطاع باهتمام بالغ من قبل ولي العهد متطلعاً لإنجاز أعظم ونفاذ أقوى للشركات السعودية لتكون اللاعبة الرئيسة في الأسواق الدولية. في وقت تشدد رؤية ولي العهد الخاصة على أن صناعة البتروكيميائيات تمضي قدما لتصبح أكبر محرك للطلب العالمي على النفط في ظل التوسع الكبير في استخداماتها الشاسعة في الكون. ومن المقرر أن تستحوذ البتروكيميائيات على أكثر من ثلث النمو في الطلب العالمي على النفط حتى عام 2030، ونحو نصف النمو إلى عام 2050، مما يضيف نحو 7 ملايين برميل من النفط يوميا بحلول ذلك الوقت. كما أنها تستعد لاستهلاك 56 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي بحلول عام 2030، و83 مليار متر مكعب بحلول عام 2050. فيما يظل الطلب على المواد البلاستيكية المحرك الرئيسي للبتروكيماويات من منظور الطاقة حيث تضاعف منذ عام 2000 في الاقتصادات المتقدمة بعشرين ضعفاً من البلاستيك وأكثر من 10 أضعاف من الأسمدة في الاقتصادات النامية على أساس نصيب الفرد، مما يؤكد على الإمكانات الهائلة للنمو العالمي.
اختصر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سنوات طويلة من المفاوضات السعودية البتروكيميائية للتوسع والهيمنة في قلب الأسواق العالمية الرئيسة بأقوى الشراكات الإستراتيجية العالمية الجديدة بمباركة رؤساء الدول شخصيا التي مكنت عملاقتي النفط والكيميائيات في العالم شركتي أرامكو السعودية وسابك من الدخول في عمق الصخري الأميركي والتحول من المنافسة إلى الشراكة والتملك والإنتاج في الولايات المتحدة في أعظم نقلة حيث نجحت أرامكو بدمج التكرير الى الكيميائيات في مصفاتها في تكساس باستثمارات بقيمة 45 مليار ريال /12 مليار دولار لتعزيز عمليات مرفق بورت آرثر للتكرير إلى الكيميائيات بما يعزز قيم الاستهلاك الأكبر للنفط الخام وتنويع وتعظيم القيمة المضافة لكل برميل في المملكة وخارجها. بينما أحرزت مفاوضات “سابك” تقدما لإتمام تحالفها المرتقب مع شركة إكسون موبيل بحجم استثمارات بنحو 20 مليار دولار.
وعلق د. عبدالوهاب السعدون، الأمين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات “جيبكا” حول التحول في صناعة الكيميائيات السعودية التي يقودها ولي العهد، مشيراً بأن قيادة المملكة برهنت جدارة محافظة الصناعة البتروكيميائية السعودية على مكانتها التنافسية العالمية في ظل مخاوف الصخري الدائمة المهددة للمنجين الشرق اوسطيين، وقال إن المملكة بالفعل تحافظ على مكانتها الاستثنائية بمواصلة حضورها ضمن قائمة أكبر عشرة مصدرين للمواد الكيميائية على مستوى العالم، وقدمت الصناعة الكيميائية في المملكة أكبر مساهمة سنوية في الناتج المحلي الإجمالي بـ 172,5 مليار ريال/ 46.0 مليار دولار في القيمة الاقتصادية وتوظف 340 ألف عامل. كما سجلت السعودية أكبر معدّل إنتاج وإيرادات من مبيعات المواد الكيماوية في المنطقة، ما يجعل منها مركز قوة حيث حقق المنتجون السعوديون إيرادات بقيمة 232,5 مليار ريال/ 62 مليار دولار من إجمالي إيرادات دول مجلس التعاون الخليجي التي بلغت 84.1 مليار دولار في 2018.
وأضاف بأن قطاع الكيماويات السعودي من القطاعات الرائدة في تنويع المحفظة الاقتصادية، بما يصل إلى 126 منتجاً بطاقة إجمالية تبلغ 119.2 مليون طن سنوياً ولم يكن لذلك أن يتحقق لولا قوة رؤية القيادة الحكيمة للمملكة التي تركز على تطوير القطاعات غير النفطية الذي تقودها البتروكيميائيات المدعومة بالتكنولوجيا والابتكار. فيما عززت المملكة ودعمت تنافسية صناعة البتروكيميائيات لدول التعاون الخليجي على المستوى العالم بأقوى تواجد وأكبر نفاذ للمنتجات لكافة الأسواق الرئيسة حتى رسخت تجارتها في الأقاليم والدول المستهلكة لتنتقل من مجرد التسويق إلى الشراكات والتحالفات مع رواد الصناعة إلى مشروعات الاستحواذ.
ودعمت سياسة ولي العهد المنفتحة في منظومة الصناعة الكيميائية السعودية خطى شركة أرامكو لتحقيق استراتيجيتها في منظومة المشروعات المتكاملة المدمجة للتكرير والكيميائيات التي شرعت في تطبيقها في كافة مصافي النفط التابعة لها المحلية والدولية ودمجها مع مجمعاتها للكيميائيات بما يحقق أكبر الوفورات في تكاليف التشغيل والإنتاج والاستخدام الأمثل للقيم سعيها نحو تحقيق رؤيتها بأن تصبح أكبر منتج متكامل في العالم في قطاعي الطاقة والكيميائيات.
ونجحت أرامكو بتنفيذ ثلاثة مشروعات مدمجة للتكرير والكيميائيات في المملكة بتكلفة مجتمعة بلغت حوالي 240 مليار ريال تشمل مصفاة “ساتورب” بالتحالف مع توتال بتكلفة 88 مليار ريال منها قيمة 50 مليار ريال للمرحلة الأولى التي تم إنجازها وقيمة 38 مليار ريال للمرحلة الثانية التي تضيف الكيميائيات للتكرير مع تكلفة المشروعات التي سيجذبها. وشركة “بترورابغ” والتي أنجزت مرحلتين بحجم استثمارات مجتمعة بقيمة حوالي 74 مليار ريال منها 40 مليار ريال للأولى و34 مليار للثانية، وشركة “صدارة” بالتحالف مع داو بتكلفة 75 مليار ريال.
وظفرت أرامكو في إطار مساعيها لتعزيز قطاعها للكيميائيات بصفقة استحواذها على حصة 17 % من شركة هيونداي أويل بنك الكورية الجنوبية، في استثمار قدرت قيمته بحوالي 4,4 مليارات ريال، مع خيار شراء نسبة إضافية قدرها 2,9 % لاحقاً. وجاء إنجاز هذه الصفقة الاستراتيجية مدعومة بمباركة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان الذي شرف توقيع الجانبين الاتفاقية المبدئية في يونيو الماضي في زيارته التاريخية لكوريا الجنوبية والتي أسهمت بتعزيز حراك شركة أرامكو الاستثماري الواسع في قلب كوريا الجنوبية وفتحت آفاقاً أرحب لتوسعات عملاقة في أصعدة التكرير والكيميائيات وتعزيز تنافسية قطاع زيوت التشحيم من خلال الاستثمار المتقدم في المرافق المتطورة في كوريا والمملكة. وتعزز صفقة أرامكو الكورية الجديدة استثمارات أرامكو في كوريا الجنوبية وأضخمها مجمعها المدمج للتكرير والكيميائيات “إس أويل” والذي يخضع حالياً لأعمال توسعة تشمل مشروع تكسير بالبخار لإنتاج الإيثيلين ومشروع الأوليفينات بقيمة 22,5 مليار ريال (6 مليارات دولار).
إضافة إلى صفقات أرامكو الأسيوية الأخرى الجديدة في الهند بقيمة 262,5 مليار ريال/ 70 مليار دولار في تحالف ثلاثي عالمي يشمل بناء مصفاة نفط عملاقة بطاقة استيعابية تبلغ 1.2 مليون برميل نفط في اليوم متكاملة مع مجمع حديث للبتروكيماويات والعمل على تأمين توريد ما لا يقل عن 600 ألف برميل يوميًا من النفط الخام السعودي مع نسبة مرتفعة من التحويل للكيميائيات. إضافة إلى استثمار اخر بالهند لتحويل النفط الخام إلى كيميائيات بتكلفة 56.2 مليار ريال / 15 مليار دولار، مع شركة “ريلاينس”. وفي ماليزيا مع شركة بتروناس بقيمة 101,2 مليار ريال في مجمع “بريفكيم” الذي سيرفع طاقة “أرامكو” التكريرية لـ 5.6 ملايين برميل في اليوم، والكيميائية لـ 40.2 مليون طن سنويًا، إضافة إلى التزام أرامكو بدعم المشروع بنحو 70 % من احتياجات النفط الخام.
من جهتها استفادت شركة سابك من أقوى دعم تحصلت عليه في أوروبا برعاية ولي العهد بتوغل الشركة أعمق في قلب الأسواق الإنجليزية بحجم استثمارات أكثر من 4 مليارات دولار في مجمع تيسايد للبتروكيميائيات في بريطانيا المملوك لسابك ودعم خطط الشركة في تنفيذ مشروع تكسير الغاز بعد ان قررت سابك تطوير المصنع القائم وتطوير الجانب اللوجستي وانشاء مفاعل جديد للإيثان ودفع اتفاقيات استخدام إمدادات الغاز الصخري من الولايات المتحدة لدعم مجمع تيسايد الذي وصف بأنه الأول لاستخدام الغاز الصخري المستورد من المكامن الأميركية بخليج المكسيك لتلبية احتياجات الشركة بالكامل للأعوام العشرة المقبلة ويمكن تجديده بعد فترة العشر سنوات.
ومن شأن هذا الإنجاز أن يغير مستقبل تيسايد وباكتمال مشروع وحدة تكسير الغاز التابعة لها بالمملكة المتحدة، ومرور عشرة أعوام على انطلاق أعمال الشركة هناك، حيث تكمن أهمية المشروع ودوره في تعزيز قدرات الشركة التنافسية، بما يتوافق مع استراتيجية الشركة 2025. وتم إطلاق ضخ الإيثان إلى فرن التكسير الذي جرى تطويره حديثاً من غرفة التحكم “للأوليفينات”. في حين ظفرت سابك باستثمارات قوية في انجلترا في مشروع تحويل وحدة تكسير ضمن استثمار رئيس لتمكينها من الحصول على غاز الإيثان جنباً إلى جنب مع المواد الأولية الأخرى، لجعلها واحدة من أكثر وحدات التكسير مرونة وتنافسية في أوروبا.
فيما نجحت سابك أخيراً بزيادة نسبة تملكها في شركة كلارينت السويسرية للمنتجات المتخصصة إلى 31.5 %، وذلك في أوائل مارس الماضي، غير مكترثة بالأزمة في خطوة تعزز هيمنة الشركة في قطاع الكيماويات المتخصصة على المستوى العالمي ورفع مساهمتها في نتائج الشركة المالية، في وقت بلغ انتاج سابك من البوليمرات المتخصصة والحلول الصناعية 7,2 ملايين طن سنوياً في 2019، فيما بلغ حجم مبيعاتها 6.9 مليارات ريال. فيما افضت سابك من قوة منجزاتها إلى تعزيز قيمة علامتها التجارية التي نمت بنسبة 9,3 % من قيمة 14,8 مليار ريال 3,96 مليار دولار لتصل إلى 16,2 مليار ريال/ 4,334 مليارات دولار في 2020، فيما تضاعفت قيمتها بعد تفعيل استراتيجية علامتها التجارية بنسبة 100 % خلال الفترة 2014 -2020 ما يعكس النظرة الإيجابية المتزايدة لهوية الشركة ونجاحها في تجسيد شعارها كيمياء وتواصل الذي أضحى توجه الجميع.