أكد وزير الطاقة، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أن الأشهر التسعة الماضية، كانت مليئة بالتحديات، والتي بدأت بأزمة إمدادات النفط، نتيجة الاعتداء على منشآت المملكة النفطية في بقيق وخريص، وصولا إلى وباء كورونا وبحث كيفية التعايش معه واحتواء مختلف تداعياته، مشدداً على أن أجندة المملكة الخاصة بالطاقة ذات أهمية رفيعة المستوى ولها أولوية كبيرة، ونتعامل من خلالها مع المؤسسات والخبراء على أعلى مستوى، ولدينا قيادة تثمن قيمة الاستدامة.
وتناول خلال الجلسة الرئيسة لمؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار السعودي” FIIKSA الافتراضي، الذي أقيم تحت عنوان “لا تنسوا كوكبنا”، مساء الخميس الماضي، أبرز الخطوط العريضة لملفّ مستقبل الطاقة في بلادنا، ورغم كونها أكبر مصدر للنفط في العالم، والثانية إنتاجًا ومن حيث الاحتياطيات، فإن الرؤية السعودية تشير إلى أن الدولة ماضية بجدّية بالغة فيما أعلنته قبل أعوام قليلة من وقف اعتمادها على النفط بصفته مصدرًا أساسيًّا للدخل أو للطاقة.
وأضاف، لكون المملكة تتولى الرئاسة الحالية لمجموعة العشرين، فإننا نسعى لاستغلال هذه المنصة لتنشيط الحضور العالمي والتعاون مع الجهات الدولية الفاعلة لتأكيد الاتجاه الجمعي نحو أهداف وبرامج مشتركة تحت عنوان واحد هو اقتصاد الكربون الدائري.
منوهاً إلى أن المملكة، تقوم بتنفيذ مبدأ “القيادة القدوة” بتقديم مثال يحتذى به، فلديها برنامج جاد لكفاءة الطاقة، وبرنامج جاد فيما يخص ترشيد استهلاك الكهرباء المحلي، ففي 2030، ستكون 50 % من الكهرباء المولّدة في السعودية من الطاقة المتجدّدة و50 % من موارد هيدروكربونية على رأسها الغاز الطبيعي، ليصبح بذلك القطاع الأكثر فاعلية وكفاءة على مستوى العالم أجمع.
ولدى بلادنا مبادرتان مهمّتان بمجموعة العشرين ترتبطان بالبيئة، أولاهما، العمل على خفض معدّلات التصحّر وزيادة البقع الخضراء، وأخرى تتعلق بتحسين جودة حياة الشعب المرجانية في قعر البحار، وملتزمون لنكون في طليعة البادئين بهما.
وفي رد على مديرة الحوار الصحفية البريطانيّة، تانيا بيكيت، عن رؤيته للواقع الحالي وللتحوّل إلى الطاقة المتجدّدة، قال الأمير عبدالعزيز “مازلت أعتقد أن أزمة كورونا هي أزمة إنسانية بأكثر من كونها أزمة اقتصادية، بما حملته من خسائر بشريّة، وآثار على التعليم والصحّة والأنشطة الاقتصادية تضافرت لجعل الحياة أصعب، لكنّها في ذات الوقت أعطتنا الفرصة لمواجهة لحظة تحدٍّ، وبينما نعمل على التخفيف من آثار جائحة “كوفيد- 19 ، ما نزال ملتزمين بتلبية أهدافنا وبرامجنا الخاصّة بالاستدامة والنموّ، وفي ذات الوقت، هذه فرصة لنرى جميعًا كيف أن العالم متّصل بعضه ببعض، وكيف تمنحنا التقنية فرصة للتواصل والاستمرار في عقد اجتماعات جادّة ومهمّة فيما يخصّ الطاقة، مشيرًا إلى أن أهمّ اجتماعين في مجال الطاقة من أجل الحفاظ على سلامة الأسواق خلال مسيرته، كانا عبر استخدام تقنية الاجتماعات الافتراضية، في إشارة إلى اجتماعي أوبك وأوبك+ خلال الشهر الماضي، قائلًا: إن ذلك يدلّ على مدى التقدّم الذي حدث خلال العقدين الأخيرين، والذي مكّن العالم من مثل هذه الأمور.
أمّا فيما يخصّ إعادة توجيه المصروفات والتوجّهات بمجال الطاقة، يرى وزير الطاقة السعودي، أن تغيّر الخطط مقارنةً بما قبل كورونا، يعدّ تحدّيًا مهمًّا، موضّحًا: “نحن الآن في مرحلة التعامل مع تخفيف حدّة التداعيات، ونتعايش مع ذلك، وأعتقد أن خطّتنا الخاصّة بالطاقة في المملكة ذات أهمّية رفيعة المستوى، ولها أولوية كبيرة، ونتعاون مع الجهات الدولية الفاعلة لتأكيد الاتّجاه الجمعي نحو أهداف وبرامج مشتركة، وذلك تحت عنوان واحد هو اقتصاد الكربون الدائري، وهو المفهوم الذي يتّسق مع أهداف الأطراف المهتمّة بالبيئة من جهة، وكذلك يسمح بتحقيق نموّ واستخدام أكثر كفاءة لمصادر الطاقة من جهة أخرى، ما يدعم خطط الاستدامة مع الحفاظ على البيئة، وكذلك يجلب منفعة لملايين البشر المحرومين من الطاقة بشكل أو آخر، حول العالم”.
مبدأ “القيادة القدوة”
وتطرّق الوزير، على سبيل المثال، إلى قضيّة استخدام المواد البلاستيكية (اللدائن) في التغليف، وجعلها أكثر قابلية للتدوير، وأكثر صداقة للبيئة، بما يقلّل من الاحتياج إلى قطع الأشجار وتجريف الغابات لاستخدامها في ذات الغرض.
وأوضح الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أن المملكة تقوم بتنفيذ مبدأ “القيادة القدوة”، بتقديم مثال يحتذى به في هذه الأمور، فلدى المملكة برنامج جادّ لكفاءة الطاقة، وبرنامج جادّ فيما يخصّ ترشيد استهلاك الكهرباء المحلّي، معلنًا أن المملكة ستعلن قريبًا جدًّا عن مشروع طاقة شمسية عملاق، سيكون له الريادة من حيث تقديم أقلّ سعر عالميًا، مقابل كلّ كيلوواط من الكهرباء، ومشدّدًا أن بلاده لا تستهدف فقط إنتاج الكهرباء من المشروعات الشمسية، ولكنّها أيضًا تضع تحدّي تقديم ذلك بأقلّ كلفة استهلاكية.
وأشار إلى خطط توسّع بطاقة الرياح في المملكة، بما يصل إلى أن تكون 50 % من الكهرباء منتجة من مصادر متجدّدة، و50 % من موارد هيدروكربونية، على رأسها الغاز الطبيعي، ليصبح بذلك القطاع الأكثر فاعلية وكفاءة على مستوى العالم أجمع، وقال الأمير: إن “لدينا بالفعل أفضل برنامج للكفاءة، مما دفع وكالة الطاقة الدولية لدعوتنا من أجل استعراض تجربتنا أمام العديد من الدول، كما أشار في مجال التنافس إلى امتلاك المملكة أعلى قدرة عالمية على “التقاط الميثان”، وعزله وتحويله إلى استخدام مفيد”.
وبالعودة للحديث عن رئاسة المملكة لدورة مجموعة العشرين، أكّد الوزير أن بلاده تتبنّى مبادرتين مهمّتين ترتبطان بالبيئة، أولاهما، العمل على خفض معدّلات التصحّر وزيادة البقع الخضراء تبدأ بالتزام السعودية نفسها بهذا المفهوم، وأخرى تتعلّق بالتكيّف وتحسين جودة حياة الشعب المرجانية في قعر البحار، وأيضا تُلزم نفسها بأن تكون في طليعة البادئين بها، مؤكّدًا أن هاتين المبادرتين تتّفقان مع مفهوم الاقتصاد الكربوني الدائري.
عقب ذلك، دعت تانيا بيكيت كلًّا من موكيش أمباني – رئيس شركة ريلاينس إندستريز الهندية -، وباتريك بويان – رئيس شركة توتال الفرنسية -، للمشاركة في الحوار، لكنّها عادت لسؤال الأمير عبدالعزيز عن آثار الجائحة، وتوقّعاته لمستقبل النفط، فأكّد أنّه “في حين تعمل المملكة على التخفيف من آثار جائحة “كوفيد-19، لا يزال يتعيّن علينا تلبية أهداف الاستدامة والنموّ”، مشدّدًا في كلمته: “يمكنني أن أؤكّد لكم أن المملكة لن تكون المنتج الأكبر والأخير للنفط فحسب، بل إنّنا سننتج كلّ جزيء من الهيدروكربونات، ونستخدمه الاستخدام الأمثل، وسوف يتمّ بأكثر الطرق الآمنة والسليمة بيئيًّا والأكثر استدامة”، وأن المملكة لديها برامج فاعلة ومتطوّرة لتحويل النفط والغاز إلى كيميائيات، مشيرًا في مثال على ذلك، إلى قدرتها على التعامل مع جائحة كورونا من خلال تصنيع وإنتاج الكمّامات المتطوّرة ومعدّات الوقاية الشخصية، وكذلك المطهّرات، نظرًا لقدرتها على إنتاج الكيميائيات المتطوّرة المستخدمة في هذه الصناعات. وأضاف، سنظلّ المنتج الأقلّ كلفة للنفط ومنتجاته على كلّ حال”.