صُدم القطاع المصرفي بالنتائج المالية التي أعلنها بنك ساب الأسبوع الماضي والتي أعادت الأرباح المجمعة للبنوك إلى المستويات التي كانت عليها في عام 1998م كما تراجعت أرباح القطاع بنسبة 81 % على أساس سنوي بعد أن كان التراجع 13 % قبل إعلان بنك ساب، ويجب التنويه بأن الخسائر التي تحققت هي بسبب خفض بند الشهرة وليس بسبب أداء البنك الذي حقق نتائج جيدة وكان معدل نمو العمولات الخاصة 13 % ومعدل دخل العمليات 15 % أما خفض قيمة الشهرة الذي تسبب في تسجيل خسائر كبيرة للبنك فهو إجراء غير متكرر ويحدث لمرة واحدة وسوف يعود البنك لتحقيق الأرباح بدءًا من الربع الثالث، أما كيف حدثت هذه الخسائر الكبيرة للبنك بسبب بند الشهرة؟ فهذا يعود إلى استحواذ بنك ساب على البنك الأول في الربع الثاني من عام 2019م، وكان سعر سهم البنك بتاريخ الاندماج عالياً نتيجة انضمام السوق المالية السعودية إلى مؤشر أم أس سي آي للأسواق الناشئة (MSCI EM).
والتسعير عند الاندماج أو الاستحواذ يعتمد على سعر السهم والعلامة التجارية للبنك، وقاعدة العملاء، وعلاقات العملاء، والموظفين، والأصول الملموسة وغير الملموسة، وقد عرفت المعايير الدولية الشهرة (Goodwill) بالأصل غير الملموس الذي يمثل المنافع الاقتصادية المستقبلية التي تنشأ من الأصول الأخرى المقتناة مع عملية الاندماج والتي لا تكون قابلة للتحديد بمفردها ولكن تثبت منفصلة (IFRS 3.A). كما عرفت الأصل غير الملموس بأنه أصل غير نقدي قابل للتحديد وليس له وجود مادي، وتنشأ الشهرة في حال وجود عمليات اندماج أو استحواذ (mergers and acquisitions) وعلى سبيل المثال لو قامت شركة (أ) بالاستحواذ على شركة (ب) وكانت القيمة الدفترية لشركة (ب) 100 مليون ريال وتم الاستحواذ عليها بقيمة 120 مليون ريال، في هذه الحالة يتم إثبات شهرة في دفاتر الشركة (أ) بقيمة 20 مليون ريال، ووفقاً لمعايير المحاسبة الدولية، ينص المعيار المحاسبي رقم 38 – الموجودات غير الملموسة، (بأنه يتعين على الشركات تقييم قيمة الشهرة في قوائمها المالية مرة واحدة على الأقل في السنة، ويتم إثبات انخفاض الشهرة بتخفيض قيمتها في حساب الأصول غير الملموسة في قائمة المركز المالي وإضافتها كخسائر إعادة تقييم الشهرة في قائمة الدخل)، والانخفاض يحدث في قيمة الأصل عندما تنخفض القيمة السوقية للأصل عن القيمة الدفترية، ومن الأسباب التي قد تؤدي إلى الانخفاض في قيمة الشهرة على سبيل المثال، انخفاض التدفقات النقدية، والبيئة التنافسية، وأيضاً ضعف الاقتصاد، وما إلى ذلك، ويتم اختبار انخفاض قيمة الشهرة بطريقتين، الأولى طريقة التدفق النقدي المستقبلي، والثانية طريقة مقارنة السوق أو نهج السوق وذلك بمقارنتها مع الشركات المماثلة لها في النشاط، إدارة بنك ساب بعد مناقشات مطولة مع المراجع الخارجي وافقت على طريقة احتساب خسارة قيمة الشهرة وأثبتتها في قوائمها المالية بحوالي 7,418 مليون ريال وهذا الأجراء وإن كان مؤثراً على حقوق المساهمين إلا أن له فوائد جيدة في المستقبل على أداء البنك وجاذبية السهم للمستثمرين. أداء البنوك الأخرى في الربع الثاني كان أفضل بكثير من المتوقع بل إن النتائج التي حققها القطاع المصرفي السعودي تعتبر من أفضل النتائج مقارنة مع بنوك عالمية أو حتى خليجية ويعود ذلك إلى الأداء الرائع الذي تحقق من خلال زيادة الموجودات بنسبة 13 % على أساس سنوي وكذلك نمو القروض البنكية بنسبة 13 % وكذلك زيادة في الودائع بحوالي 8 % وهذا الأداء الجيد ساهم في تخفيف الأثر من خفض أسعار الفائدة وكذلك إلغاء بعض الرسوم البنكية التي أقرتها مؤسسة النقد السعودي من أجل تفعيل استخدام القنوات الإلكترونية خلال جائحة كورونا، أما مخصصات خسائر الائتمان فقد ارتفعت بنسبة 19 % على أساس سنوي وجنبت البنوك 5,3 مليارات ريال، وساهمت ساما في الحد من ارتفاع المخصصات بعد أن ضخت حوالي 30 مليار ريال لصالح البنوك، مقابل تأجيل دفع مستحقات لمدة ستة أشهر على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولا تزال المخاطر الائتمانية قائمة مما قد يتسبب في زيادة المخصصات في النصف الثاني لأن ثلاثة أشهر أو حتى ستة أشهر غير كافية للتحقق من عدم وجود تعثر في سداد القروض فكثير من الأنشطة الاقتصادية لاتزال تعاني مالياً بالرغم من فتح الاقتصاد وقد تزيد حالات التعثر بوتيرة أعلى مما حصل خلال الربع الثاني وهو ما قد يؤثر على أرباح البنوك على الأقل خلال الربعين القادمين وقد تحتاج البنوك الى فترة لا تقل عن ثلاث سنوات من أجل العودة إلى مستويات الأرباح التي حققتها خلال عام 2019م.
يحتاج الاقتصاد السعودي خلال السنوات المقبلة إلى التوسع في منح التراخيص للبنوك العالمية وتشجيع الاندماجات بين البنوك المحلية لتكوين كيانات مصرفية عملاقة تستطيع مواجهة التحديات والأزمات الاقتصادية والقدرة على المنافسة والتوسع في أعمالها، وكذلك الترخيص لبنوك محلية جديدة وتوسيع قاعدة البنوك في أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط من أجل زيادة المنافسة لتقديم أفضل الخدمات لقطاع الأعمال والأفراد، ولعل صدور قرار تعديل القواعد المنظمة لمزاولة أعمال الصرافة الذي أقره وزير المالية من أهم القرارات التي سوف تدعم تنمية هذا النشاط المهم والذي يعطي صلاحيات متعددة لمزاولة نشاط الصرافة حسب رأس المال المدفوع حيث ينحصر نشاط الفئة الأولى في أعمال الصرافة فقط والفئة الثانية أعمال الصرافة واستيراد وتصدير النقد والفئة الثالثة تضاف إليها التحويلات المالية وهذا التعديل الجديد سوف يحفز زيادة محلات الصرافة ويفتح مزيداً من الفرص الاستثمارية وتوليد وظائف للمواطنين.