يحتفي التُراثيون حول العالم بيومهم العالمي الذي يوافق 18 أبريل من كل عام، تحت رعاية منظمتي اليونسكو والتراث العالمي، والذي تُستذكر فيه الجهود الدولية الحامية والداعمة للتراث الإنساني بجوانبه المادية وغير المادية، والتوعية بأهمية الحِفاظ عليه من أية أخطار تُهدد وجوده، وذلك باعتبار التراث قيمة حضارية ثمينة، تحكي مسيرة التجربة الإنسانية عبر التاريخ، وتوثق آثارها ومآثرها.
وتشارك هيئة التراث بهذا الدور المحوري في مختلف مدن ومناطق المملكة، عبر مشاريع قائمة، وأخرى مُنجزة، تخدم التراث الوطني المادي وغير المادي، وذلك باعتبارها الجهة المسؤولة عن إدارة قطاع التراث في المملكة بكافة مجالاته منذ تأسيسها بقرار مجلس الوزراء في شهر فبراير من العام الماضي؛ كهيئةٍ تابعة لوزارة الثقافة في إطار الاستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة من رؤية المملكة 2030.
عملت هيئة التراث خلال عمرها القصير على مشاريع استراتيجية مرتبطة بحماية التراث الوطني، تسعى من خلالها إلى تنظيم العمل في خدمة التراث وفق مسارات وبرامج محددة ومركزة، من ضمنها مشروع ترميم وتأهيل مباني التراث العمراني ذات القيمة المعمارية والتاريخية وسط مدينة الرياض بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله-. بالإضافة إلى مشروع “مركز حماية التراث الثقافي المغمور تحت مياه البحر الأحمر والخليج العربي” الذي أعلن عنه صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان ، وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، عن تأسيسه خلال اجتماع وزراء الثقافة في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها المملكة.
وتشمل المشاريع التي تعمل عليها الهيئة لخدمة قطاع التراث ومنسوبيه مشاريع متعددة ومتنوعة في نطاقاتها ومجالاتها، مثل مشروع توثيق ودراسة المنشآت الحجرية في المملكة بالتعاون مع المؤسسات والمراكز الوطنية والدولية ذات العلاقة، ومشروع ترميز مباني التراث العمراني “أحد المخرجات الرئيسة لسجل التراث الوطني الرقمي للتراث العمراني في المملكة”، واستكمال إجراءات تأسيس (الشركة السعودية للحرف والصناعات اليدوية)، وتوقيع اتفاقية تعاون مع هيئة تطوير المنطقة الشرقية للارتقاء بالتراث المادي وغير المادي وتعظيم الأثر من المواقع التاريخية والتراثية بالمنطقة. والتي تُعبّر في مجموعها عن جهود وطنية لحماية التراث وتنميته.
نجحت هيئة التراث في عامها الأول من تسجيل عدد من المواقع التراثية والثقافية محلياً وفي المنظمات العالمية، ومنها تسجيل خط أنابيب النفط القديم «التابلاين» في سجل التراث الصناعي الوطني كأول موقع تراث صناعي يتم تسجيله رسمياً في المملكة، بالإضافة إلى تسجيل واحة الاحساء في موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية بصفتها واحة قائمة بذاتها في العالم.
وعلى مستوى المواقع التراثية السعودية المسجلة في قائمة التراث العالمي باليونسكو فتمتلك المملكة خمسة مواقع أثرية سجلت في “اليونسكو” منها الحِجر، وحي الطريف بالدرعية التاريخية، وجدة التاريخية، والفنون الصخرية بمنطقة حائل، وواحة الأحساء. أما عناصر التراث السعودي المسجلة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى «اليونسكو»، فتمتلك المملكة ثمانية عناصر تراثية مسجلة وهي: العرضة السعودية، والمجلس، والقهوة العربية، وفن المزمار، والصقارة، والقط العسيري، والنخلة، وحياكة السدو.
وعملت الهيئة على اكتشافاتٍ أثرية بمختلف مناطق المملكة، من أهمها اكتشاف آثار أقدام لبشر وفيلة وحيوانات مفترسة حول بحيرة قديمة جافة على أطراف منطقة تبوك يعود تاريخها إلى أكثر من 120 ألف سنة، بالإضافة إلى اكتشاف منشآت حجرية في صحراء النفود تعد من أقدم المصائد الحجرية في العالم يعود تاريخها إلى أكثر من 7000 عام، وكذلك العثور على أدوات حجرية تعود إلى فترة العصر الحجري القديم (الحضارة الآشولية) في شعيب الأدغم شرق منطقة القصيم.
وأولت هيئة التراث جهوداً كبيرة في الجانب التعليمي للمهتمين والمنتمين لقطاع التراث في المملكة، حيث نظمت الهيئة برنامجاً تدريبياً للحرفيين والحرفيات عن بُعد بالتعاون مع شركة قوقل “مهارات”، ونظمت عدداً من القاءات الافتراضية مع مختصين في قطاع التراث، في حين بلغ عدد الطلاب المقبولين في برنامج الابتعاث الثقافي بوزارة الثقافة 74 طالباً وطالبة لقطاع التراث.
وفيما يخص الأرقام والإحصائيات الخاصة بالقطاع بحسب توثيق هيئة التراث، فقد بلغ عدد مواقع التراث العمراني المسجلة في مناطق المملكة بحسب السجل الوطني للتراث العمراني 1000 موقع، في حين بلغ إجمالي المواقع الأثرية في مناطق المملكة بحسب السجل الوطني للآثار (8.176) موقعاً، وبلغ عدد الحرفيين والحرفيات في مختلف مناطق المملكة (4415) حرفياً وفق للسجل الوطني للحرفيين، و12 جمعية مسجلة متخصصة في التراث الثقافي، فيما شكلت مواقع التراث الصناعي المرشحة للتسجيل محلياً بحسب إحصائيات الهيئة 71 موقعاً، ورممت 150 مسجداً تاريخياً في المملكة.
كانت الهيئة منذ إنشائها تضع الشراكات مع القطاعين الحكومي والخاص والقطاع الثالث “غير الربحي” ضمن أولويوتها في إطار رؤية المملكة 2030، فعملت منذ تأسيسها على عددٍ من المشاريع التراثية مع ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ووزارة الإعلام، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، وهيئة تطوير بوابة الدرعية، والهيئة العامة للترفيه، والجمعية السعودية للمحافظة على التراث، والهيئة العامة للجمارك، والشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك”، وهيئة تطوير المنطقة الشرقية، وجامعة تبوك، مجموعة ماجد الفطيم، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، وشركة نون للتجارة الالكترونية، وبرنامج إعمار المساجد التاريخية، والهيئة الملكية لمدينة الرياض، وهيئة الادب والنشر والترجمة، وهيئة الأزياء، والهيئة العليا لتطوير منطقة عسير، وشركة آمالا، ومشروع القدية، وشركة البحر الأحمر للتطوير، وشركة نيوم، والهيئة الملكية لمحافظة العلا، وجامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الملك سعود، وجامعة حائل، ودارة الملك عبدالعزيز، والمؤسسة العامة للتدريب التقني و المهني، ومركز الدراسات و البحوث الاسلامية للمدينة المنورة، وهيئة تطوير منطقة المدينة المنورة، وهيئة المتاحف، والهيئة العامة للأوقاف، وشركة أرامكو السعودية، وهيئة تطوير منطقة حائل.
تعد منجزات هيئة التراث في عامها الأول مثالاً للاحتفاء بالتراث الوطني وتقديره ورعايته، وعنصراً داعماً لمشاركتها في الاحتفال باليوم العالمي للتراث، وذلك للأهمية التي يملكها التراث السعودي بجميع قوالبه، وارتباطه بالتاريخ الإنساني المشترك، وعمقه وتنوعه وثرائه. والذي تسعى الهيئة بجهودها المتعددة إلى تنميته ورفع مستوى الاهتمام به وحمايته من الاندثار.