أكد إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي،أن ذكر الله جل جلاله قرين المؤمن في حياته، في صباحه ومسائه، ونومه ويقظته، وسفره وإيابه، وطعامه وشرابه، والذاكر الصادق، هو الذي يعمل في طاعة ربه ، فيذكر الله على كل أحيانه وشؤونه ، مستدلاً بقوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ ).
وقال في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام :” لا شيء أعظم من الله، ولا ذكر أفضل من ذكره جل جلاله، ولذا كان ذكره أكبر من كل شيء، ومثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت، بل يرقى الحال بالذاكرين، إلى أن يباهي بهم ربهم ملائكته ” .
وأوضح فضيلته أن التسبيح من أعظم الذكر، ولقد ورد التسبيح في القرآن الكريم، أكثر من ثمانين مرة، وافتتح سبحانه به سبع سور من كتابه، وأثبت لنفسه الأسماء الحسنى والصفات العلى، وقرن ذلك بالتسبيح له، ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ، فالتسبيح متضمن لتنزيه الرب، عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، فالله جل جلاله وتقدست أسماؤه، متصف بالكمال في ذاته وأسمائه وصفاته، متنزه عن العيوب والنقائص، وما لا يليق بجلاله، فهو سبحانه سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، يحب أن يسبحه عباده، فالملائكة مع ما وكل إليهم من الأعمال العظيمة الجليلة، ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ )، وهم بتسبيحهم لربهم، يشرفون ويفخرون ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ )، وفي صحيح مسلم: إذا قضى الله أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا )، أي: تنزيها له سبحانه، وتعظيما لأمره، وخضوعا وقبولا وطاعة له جل جلاله.
وأضاف الدكتور المعيقلي أما رسل الله تعالى وأنبياؤه، فالتسبيح ذكرهم، وهو عند الشدائد مفزعهم، فنبي الله موسى عليه السلام، يدعو ربه بأن يجعل معه أخاه هارون وزيرا ؛ ليعينه على التسبيح كثيرا، فقال ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ) ، ونبينا – صلى الله عليه وسلم – ، حياته كلها تسبيح، فإذا قرأ القرآن، ومر بآية فيها تنزيه للرحمن سبح، وإذا قام من الليل، أطال التسبيح في ركوعه وسجوده، وإذا ركب دابته قال ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا )، وإذا نزل واديا سبح، وإذا رأى الأمر الذي يتعجب منه سبح، وإذا أوى إلى فراشه سبح ثلاثا وثلاثين، وحين اشتد أذى المشركين له، فأحاط به الهم، وضاق به الصدر، أمره ربه بكثرة التسبيح له، لينشرح صدره، ويذهب عنه همه وغمه، فقال ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) ، فبالتسبيح يطمئن قلبك، وتقر عينك، وينشرح صدرك، ويعطيك ربك من الثواب العاجل والآجل حتى ترضى.
وقال :” إن التسبيح عبادة جليلة، وطاعة عظيمة، يحيي الله به القلوب، ويضاعف به الأجور، ويمحو الله به الخطايا، ويغفر الذنوب والرزايا، وهو زاد الآخرة، وغراس الجنة، وأفضل الكلام، وأحبه إلى الرحمن، وبه يثقل الميزان، والتسبيح يشفع لصاحبه عند ربه، ويذكر به إذا وقعت له شدة، ففي مسند الإمام أحمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الذي تذكرون من جلال الله، وتسبيحه، وتحميده، وتهليله، تتعطف حول العرش، لهن دوي، كدوي النحل، يذكرن بصاحبهن، أفلا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الله شيء يذكر به؟ )، ونبي الله يونس عليه السلام، كان في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، ( فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )، فنجاه الله تعالى وقال ( لَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ).
وفي المدينة المنورة بين إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ صلاح البدير، أن الحياة الدنيا متاع وأطماع وزخرف متروك لا يغتر به إلا الحمقى، قال جلّ وعزّ في الكافرين ( غَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ) كما قال تعالى ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأْبقَى ) .
وقال فضيلته:” إن اللبيب لا ينخدع بالدنيا فهي كأحلام النوم أو كظل زائل فتمر مرّ السحاب و أن ما فيها ينقضي ويفنى وإن جمَّ عدَدُه وطالَ أمده .. وأن العاقل ذو الحزم من تأهب قبلَ نفوذ الأجل وتزود قبل بغتة الموت وبادر قبلَ فجأة الفوات وأن الجاهل المغرور نسي حمامه، وضيع أيامه وغفل عن تدبر العواقب و ألهاه التَّبارِي في الكَثْرَةِ والتَّباهِي . جهولٌ ليس تنهاهُ النَّواهي … ولا تلقاهُ إلاَّ وهو ساهِ يُسرُّ بيومِهِ لعبًا ولهوًا … ولا يدري وفي غده الدواهي .
وأضاف :” إن المنايا توشك تسبق الوصايا، وأن الغافل يغادر دنياه وَقَدْ نعاه الناعون وهو يمنع الماعون ويحلّ الموت بناديه وداعيه يناديه وما أدّى حقًا ولا نشر عِلْمًا ولا أجْرى نَهْرًا ولا َحفَرَ بِئْرًا ولا غَرَسَ نَخْلًا ولاَ بنى مَسْجِدًا ولا وَّرث مصحفًا ولا أوقف وقفًا وذلك طيش الرأي وقصور التدبير فيامن بخل على نفسه “.
ودعا الشيخ صلاح البدير ، المسلمين إلى تقديم العمل الصالح من مال وغيره ما ينفعهم عند المآل ، فعن عبدالله بن الشخير – رضي الله عنه – قالَ : أتَيْتُ النّبيّ – صلى الله عليه وسلم – وهو يقرَأُ ( أَلْهَاكُمُ التّكَاثُرُ ) قال: (يقولُ ابنُ آدَمَ: مالي مالي، وهل لك مِن مالِك إلّا ما أكَلْتَ فأفنَيْتَ أو لبِسْتَ فأبلَيْتَ أو تصدّقْتَ فأمضَيْتَ).
وأوصى إمام وخطيب المسجد النبوي بعدم التفريط في أمر المولى عز وجل والمبادرة بالتوبة ،وقال :” كن شفيقًا على نفسك خائفًا من عذابِ ربك واستدرك الفوائت وترفع عن الدنايا وصن النفس عن الخطايا وتعفف عن الحرام واقنع بالحلال وردّ الحقوق وأدّ الديون واندم على ما فات وأقلع قبل الفوات وأقبل قبل الممات وأقدم على مولاك وتقرب إلى من أوجدك وسواك واعتذر من ذنوبك وخطاياك والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ” .