أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور: صالح بن عبد الله بن حميد المسلمين بتقوى الله، وفعل الطاعات إخلاصا لا تخلصاً، والحفاظ على النوافل والقربات تقربا لا تكرما.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام الجنة قريبة –يا عباد الله–، شق تمرة يبعد عن النار، وصدقة تطفئ غضب الرب، وكلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ووضوء تتحادر منه الخطايا، والحسنة بعشر أمثالها إلى مئة ضعف إلى أضعاف مضاعفة.
وأكد أنه لا هم يعلو فوق هم التربية فهي ليست مشروع أسرة، أو مشروع مدرسة، بل هي مشروع أمة، ومشروع دولة وهي تبني الإنسان والوطن، وتصنع ذلك كله.
وأوضح أن التربية عمل يُكْتَسب، وعلم يُتَعلم، والتزام يطبَّق والتربية تنمي القدرات ولا توجدها، وتطور الملكات ولا تنشئها، ومن شب على شيء شاب عليه، والتربية الصحيحه تحفظ الوطن قبل أن يحرسه الجيش المنظم.
وأضاف: “معاشر الإخوة : هذه هي التربية في مكانتها، وأثرها، أما محلها وميدانها فهم أولادنا قرة العين، وسلوة الفؤاد، وزينة الحياة، وأنس العيش، وثمار القلوب، وعماد الظهور، بناة الغد ورجاله، ومفكروه، وسواعده، ودروع الوطن، وحماة استقراره، ومستودع أمانات الوالدين والمعلمين. الله الله فيهم، فما أعظم المسؤولية، وما أكبر المهمة.
وخاطب فضيلته الأباء والأمهات قائلا: هم التربية فوق كل هم، لا يعصم من الذنوب سوى مراقبة علام الغيوب، اغرسوا فيهم عقيدة التوحيد، تنشرح بها قلوبهم، وتسكن إليها نفوسهم، وتنشرح بها صدورهم، وتلهج بها السنتهم، وتقوم عليها أعمالهم، ربوهم على تقوى الله وخشيته ومراقبته، حتى لا يرجو الولد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه يتعلقون بالله جل جلاله، ويتوكلون عليه، ويتمسكون بكتابه، ويلتزمون سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويستعينون بالصبر والصلاة، ويذكرون الله كثيرا.
وأردف يقول: اجعلوا طاعة الله لهم دثاراً، والخوف منه شعاراً، والإخلاص له زاداً، والصدق جُنَّة، ومن استحيا من الله في كل أوقاته وأحواله، بلغه عالي المقامات والمنازل علموهم أن الله سبحانه قد حكم أن لا يطيعه أحد إلا أعزه، ولا يعصيه أحد إلا أذلَّه، فالعز مربوط بطاعة الله، والذل مربوط بمعصية الله.
وخاطب إمام وخطيب المسجد الحرام المربين بالقول : في سورة الإسراء، وفي سورة النور، وفي سورة الفرقان، وفي سورة لقمان، من الوصايا التربوية، والآدآب السلوكية ما يجسد عناية هذا الدين وأصول التربية، ووسائلها وطرائقها.
ودعا فضيلته الأباء و المعلمون إلى حث الأبناء إلى حب القراءة، وطلب العلم، فالعلم سلوة العيش، ودليل الحيرة، وأنيس الوحشة، وخيرُ ما يُعلَّمون كتابُ الله، تلاوة، وحفظا، واستماعا، في البيت، وفي المدرسة، وفي سائر المرافق، والأحوال، وبقدر ما يقرأ الولد من كتاب الله تزداد طمأنينته، وتحصل سعادته.
كما حث المربون بتقويم ألسنتهم بلغة القرآن حتى تُحفظَ لغتهم، ويحلوُ بيانهم فليس أعظم ضعفاً، ولا أشد هزالاً من أن يتكلمَ المرء بغير لغته، ويؤرخ بغير تاريخه، ويفاخرَ بغير إنتاجه، ويحتفلَ بغير أعياده وتعليمهم أن يغتنموا تعليم العالمِ، ويستمعوا إلى نصحِ المشفق، وإرشادِ الحكيم، وبذلِ الكريم وتربيتهم على الفضيلة ومكارم الأخلاق، فبالفضائل تدفع الرذائل، فجمال العقل بالفكر، وجمال اللسان بالصمت، وجمال الكلام بالصدق، وجمال الحال بالاستقامة، والقعود عن الفضائل بئس الرفيق .
وبين الدكتور ابن حميد أن من أعظم وسائل التربية وأنجحها التربية بالقدوة فالأبناء بحاجة إلى قدوات لا إلى نُقًّاد جالسوهم، صادقوهم، تحدثوا إليهم، فرغوا أنفسكم من أجلهم، إنكم إن لم تجدوا لهم عندكم وقتا، فلن تجدوا عندهم لكم مكانا إعطاؤهم من وقتكم خير لهم من إعطائهم من مالكم، وأن تستثمروا فيهم خير من أن يستثمروا لهم كونوا لهم قدوة بحكمة العقل، وعفة اللسان، وصدق الحديث، وطهارة اليد، وحسن الخلق كونوا لهم مستمعين يكونوا لكم بررة أحبوهم، وأثنوا عليهم، وشجعوهم، بادلوهم المزاح والمرح.
وحذر إمام وخطيب المسجد الحرام أن تستحوذ على الأبناء والبنات أدواتُ التواصل، والمواقع الافتراضية، داعيا إلى بث فيهم الوعي: فلا يصدقوا كل صورة، ولا يستسلموا لكل تغريدة، ولا يقبلوا كل معلومة، ففي كثير منها مواطنُ الزلل، ومواقعُ الخلل لا يجعلوا أدواتِ التواصل محطات عبورٍ لشائعة، أو سبيل لغيبة، أو طريق لكِذْبة تبلغ الآفاق، فالأوزار والآثام محسوبة بلمسة لم تكن في الحسبان .
وخاطب الشيخ الدكتور صالح بن حميد الأباء والمعلمون بالقول: علموهم أن الوطنية : إخلاص ، وعمل، وبناء، وتعاون، وحماية، وأمانة، واحترام، تحبه وتدافع عنه، ولا تنتقص منه، ولا ترضى أن ينتقص منه، وتقف في وجه إعدائه المتربصين به، والحاقدين عليه فالوطنية: محافظة على الممتلكات، والمرافق، والمقدرات وسلوك سبيل الرشد، والترشيد في الصرف والاستهلاك، والطاقة والثروات، وحماية النزاهة، ومكافحة الفساد أيا كان مصدره، وأيا كان مقترفه علموهم أن المواطنة: توظيف الملكات، والقدرات، والخبرات، في خدمته، وتعزيزه، ورفعته على الأصعدة كافة الوطنية عين ساهرة، وهمة عالية، وسعي حثيث إلى مراقي النجاح الوطنية أن يكون المواطن الصادق مرآة لوطنه، فما يصدر عنه هو انعكاس لوطنيته فالوطنية أن يكون المواطن رمزاً لوطنه في الداخل وسفيراً لها في الخارج ، وأن تكون قدوة صالحة صادقة ناصحة، تحفظ لولاة الأمر حقهم من الطاعة، والمحبة، والنصح، والدعاء، وصدق الولاء الوطنية ولاء ينبذ العصبية بكل أشكالها من قبلية، ومناطقية، وطائفية .
وواصل يقول: فإذا كانت هذه هي بعض معاني الوطنية ومظاهرها فما بالكم إذا كان الوطن هو مهد الإسلام، وبلد المقدسات، الذي يرفع راية الإسلام، ويحكم الكتاب والسنة، إذا كان الوطن هو المملكةُ العربيةَ السعوديةَ فالوطنية في هذا البلد المبارك التزام بدين الله، وعقيده وشريعة، واتباع النهج السلف الصالح، في ثوابته، وأخلاقه، وجميل عاداته، وأعرافه، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم وإذا كان ولي الامر في هذه البلاد المباركه حفظه الله ، أشرفُ لقب يحمله هو : ( خادم الحرمين الشريفين ) ، فلا شك أن المواطنين تبع له في شرف الخدمة لهذا البلد المبارك ، بلد المقدسات .
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن أعلى ما يجسده معنى المواطنة هو خدمة الوطن ، بكل معاني الخدمة ، ومتطلباتها ، ومستلزماتها .
وفي المدينة المنورة بين فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي، أن الإيمان باليوم الآخر أحد أصول الدين ومن أركان الإيمان وهو حق وحقيقة ومآل لا مناص منه ولا محيد عنه وكثيرا ما يذكر في الكتاب والسنة الإيمان بالله متبوعاً بالإيمان باليوم الآخر تأصيلاً وتأكيداً للارتباط والتتابع والتلازم لأن الإيمان بالله ابتداء والإيمان باليوم الآخر انتهاء.
وقال فضيلته :” إن اليوم الآخر إذا ذكر تقاطرت في الذهن المشاهد الجسم والأحوال العظام التي هي من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر البعث من القبور، والحساب، والجزاء، والصراط، والميزان، والشفاعة، والحوض، وتطاير الصحف بالأعمال، والجنة والنار، وهناك من يكون في كنف الرحمن ويكرمون بالنظر إلى وجهه الكريم وأقوام يتذوقون الحسرة والخسران، وإذا ضعف الإيمان باليوم الآخر جرأت النفس وتقحمت دروب الشر والفساد وغلب دافع الهوى يضعف أثر اليوم الآخر وتذبل ثمرته في الحياة حين يفقد المبنى المعنى وينكمش مدلوله وينحصر في دائرة الثقافة والمعرفة الذهنية، أو يبقى حبيس مشاعر تتأجج لحظة ثم تنطفئ، لا تردع عن شر ولا تحفز على طاعة، وقد تتلى الآيات وتروى الأحاديث عن اليوم الآخر ولا يكون لها رصيد فاعل في مظاهر حياتنا وأثر إيجابي في سلوكنا وتهذيب إيماني لتعاملاتنا ” .
وأضاف : “إن الله يجعل اليوم الآخر لعمرك قيمة ولحياتك رسالة ونصب عينك هدفاً تسعى لتحقيقه ومقصداً سامياً ترنو بلوغه فمن علم أن هناك جنة عرضها السماوات والأرض ونظراً إلى وجه الرحمن ولقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم واجتماعاً مع الصحابة الكرام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والثلة الكرام ومع من يحب ومن علم ذلك فإنه يحث الخطى وتعلو همته ويغتنم الأوقات ويسارع في الخيرات ويسمو فوق الترهات، ويعيش في كنف الباقيات الصالحات ومن أقبل على الله في دنياه أقبل الله عليه وأدناه ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه “.