يستقبل الجميع اختبارات منتصف العام، التي تزيد فيها الفوضى المرورية، وتستنفر بعض الأجهزة الأمنية؛ لمكافحة أخطار أخرى، ومحافظة الخفجي ليست استثناء، حيث أصبحت الحوادث المرورية تشكل رعباً لسكانها نتيجة العدد الكبير الذي فقدوه من أبنائهم بسببها، وقد امتدت إلى حوادث دعس نهارية داخلها في مواقع محددة ومتقاربة؛ مما يستوجب أن تتحرك جهتا الاختصاص «المرور والبلدية» تحركاً حقيقياً والقيام بدورهما؛ لوضع الحلول المناسبة والسريعة لسلامة الأرواح والأبدان والممتلكات.
وقعت حادثتا دعس -في الأسبوع الماضي- وبينهما مسافة لا تتجاوز مائتي متر، كانت الأولى يوم الإثنين من الأسبوع الماضي وكان ضحيتها وافداً في عقده الثالث حدثت له إصابات بالغة وخطيرة، أما الأخرى فقد وقعت قبل مغرب الخميس من نفس الأسبوع، وذهب ضحيتها -بلمح البصر- طفل من أبناء الجيران!
كنت أحد شهود نتائج الحادثة الثانية، وقد حَمَلت ثلاثةَ مشاهدَ مؤلمة: مشهد طفل العاشرة المغطى ودمه المسفوح على الإسفلت وقد فارق الحياة، ومشهد الفضوليين غير المكترثين الذين تبلدت أحاسيسهم، وإعاقة بعض سائقي السيارات الحركة المرورية وعدم تعاونهم للجهود التي بذلتها مع آخرين؛ لتسيير الحركة المرورية حتى وصول رجال المرور والإسعاف، ومشهد أم الطفل المتوفى تخترق زحام البشر والسيارات في محاولة منها للوصول إليه، وسقوطها على بُعد أمتار منه -حيث خارت قواها- في منظر يجلب الألم والحزن والأسى والدموع!
قبل أكثر من شهر وعلى بُعد 500 متر من المكان فقدت أسرة أخرى طفلها في حادث دعس مشابه، وفي يوم السبت الماضي تسبب تصادم بين سيارتين داخل المدينة في وفاة امرأة، وفي صباح الأحد كاد خمسة من طلاب المعهد التقني السعودي لخدمات البترول أن يفقدوا حياتهم تحت عجلات إحدى الشاحنات.
لا يمكن تبرير الحوادث المرورية القاتلة داخل المدينة على الإطلاق، ولا عذر لمسؤولي المرور أو البلدية، إذ أن مرد تلك الحوادث المميتة غياب الدور الحقيقي في ضبط إيقاع الحركة المرورية، والقصور في دراسة أسبابها، والعجز عن وضع الحلول العملية المناسبة لها، فلا لوحات إرشادية تحدد السرعة في كثير من الشوارع الرئيسة والفرعية، ولا سيطرة على زيادة السرعة داخل المدينة التي تمثل واقعاً لا ينكره أحد، ولا رصد لتجاوز الإشارات المرورية، ولا خطوط لعبور المشاة عند بعضها، ولا حواجز في الشوارع تمنع عبور المشاة في الأماكن الخطرة، ولا معالجة للأشجار التي تحجب الرؤية، ولا مطبات اصطناعية كافية للتقليل من السرعة، يضاف إلى ذلك كله غياب الدوريات المرورية الظاهرة أو السرية بصفة دائمة عدا بعض الحملات المرورية التي تأتي كردة فعل وقتية -كما هو الحال خلال هذا الأسبوع- إثر الحوادث المتتابعة.
لم يرَ الناس معالجة حقيقية للمشكلة أو دراسة علمية لقياس الحركة المرورية على بعض الشوارع التي تكررت عليها الحوادث المختلفة، ورصد الأخطاء المتكررة من السائقين، ولاتزال ظاهرة قطع الإشارات المرورية شائعة في الشوارع، وممارسة التفحيط -رغم الموقف المعلن من المحافظ– يضاف إلى ذلك ما يسمونه «الهدرز» وما يسببه من إزعاج كبير للأصحاء، فكيف بمن يرقدون على أسرّة المرض والأطفال؟!
افتتح معهد البترول التقني السعودي لخدمات البترول قبل شهر تقريباً بمبادرة من وزارة البترول والثروة والمعدنية، ودعم من المؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني، وشركة أرامكو لأعمال الخليج، ويتوجه إليه -كل صباح- أكثر من 300 طالب يتبعون إحدى عشرة شركة وطنية، ويتجه المعهد لاستيعاب ألفي طالب في المستقبل -وفقاً لطاقته وخططه المعلنة– ولم يكن افتتاحه طارئاً، بل استمر بناؤه لأكثر من خمس سنوات، وجرى الحديث عن افتتاحه منذ أكثر من سنة، ولم تبذل البلدية ولا المرور ولا الشركات الراعية له شيئاً يُذكر؛ ليصل طلابه إليه بسلام، فالطريق الوحيد المؤدي إليه ضيق، ويفتقر لأبسط شروط السلامة المرورية، ويذكرني بمآسي الطريق المؤدي إلى كلية المعلمين في الأحساء قبل عقدين.
أعلنت جامعة الدمام -هذا الأسبوع- عن إنشاء كرسي السلامة المرورية بتمويل من شركة أرامكو السعودية التي حققت إنجازات حقيقية في السلامة المرورية، وغرست قيماً بين العاملين فيها نحو القيادة الآمنة، والالتزام بأمور السلامة بوعي وحرص شديدين، ولعل الجامعة تجعل محافظة الخفجي ميداناً لأولى دراساتها العملية؛ لتحقق دورها الفاعل في خدمة المجتمع.
وقفة: يستخدم التربويون الغرف الزجاجية لمراقبة السلوك، وتضعها بعض المطارات مكاناً خاصاً للمدخنين، وأقترح على الإدارة العامة للمرور أن يتم استخدامها كمكان للحجز المؤقت ليوم واحد على الأقل للمخالفين من قاطعي الإشارات والمفحطين وأصحاب الهدرز.