سُئِلَ فَضِيْلَةُ الشَّيْخِ / مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ العُثَيْمِيْن - رَحِمَهُ اللهُ - هَذَا السُّؤَال :
انْتَشَرَتْ فِي الآوِنَةِ الأَخِيْرَةِ الاحْتِفَالُ بِعِيْدِ الحُبِّ خَاصَّةً بَيْنَ الطَّالِبَاتِ، وَهُوَ عِيْدٌ مِنْ أَعْيَادِ النَّصَارَى ، وَيَكُونُ الزِّيُّ كَامِلًا بِاللَّونِ الأَحْمَرِ المَلْبَسُ وَالحِذَاءُ وَيَتَبَادَلْنَ الزُّهُورَ الحَمْرَاءَ .. نَأْمَلُ مِنْ فَضِيْلَتِكُمْ بَيَانَ حُكْمِ الاحْتِفَالِ بِمِثْلِ هَذَا العِيْدِ ، وَمَا تَوْجِيْهُكُم لِلْمُسْلِمِيْنَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ وَاللهُ يَحْفَظُكُم وَيَرْعَاكُمْ .
فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللهُ : الاحْتِفَالُ بِعِيْدِ الحُبِّ لَا يَجُوزُ لِوُجُوهٍ :
الوَجْهُ الأَوَّلُ : أَنَّه عِيْدٌ بِدْعِيٌّ لَا أَسَاسَ لَهُ فِي الشَّرِيْعَةِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ يِدْعُو إِلَى اشْتِغَالِ القَلْبِ بِمِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ التَّافِهَةِ المُخَالِفَةِ لَهَدْيِ السَّلِفِ الصَّالِحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَحْدُثَ فِي هَذَا اليَومِ شَيْءٌ مِنْ شَعَائِرِ العِيْدِ سَواءٌ أَكَانَ فِي المَآكِلِ أَوِ المَشَارِبِ أَوِ المَلَابِسِ أَوِ التَّهَادِي أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ عَزِيْزًا بِدِيْنِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ إِمَّعَةُ يَتَّبِعُ كُلَّ نَاعِقٍ . انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ .
وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : نَحْنُ نَحْتَفِلُ بِالحُبِّ لَا بِفَالِنْتَايِن ، فَنَقُولُ لَهُ إِنَّ هَذَا العِيْدَ وُضِعَ أَسَاسًا لِتَخْلِيْدِ ذِكْرَى هَذَا القِسِّيْسِ، وَمَا مُسَمَّى الحُبّ إِلَّا غِطَاءٌ لَهُ، لِيُشَارِكَ فِيْهِ الجَمِيْعُ؛ لِأَنَّهُم يَعْلَمُونَ، أَنَّ بَقِيَّةَ الشُّعُوبِ لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِفَالِنْتَايِن ، فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ الجَمِيْعَ يَحْتَفِلُونَ مَعَهُم؟ لَا سَبِيْلَ إِلَى ذَلِكَ، إِلَّا بِتَسِمِيَتِهِ بِعِيْدِ الحُبِّ .
وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَنْتُمْ بِهَذَا تُحَرِّمُونَ الحُبَّ لِأَنَّنَا فِي هَذَا اليَوْمِ نُحْيِيَ الحُبَّ بَيْنَنَا، فَهَلْ مِنَ الخَطَأ أَنْ نُعَبِّرَ عَنْ مَشَاعِرِنَا وَعَوَاطِفِنَا الجَيَّاشَةِ وَنَجُودَ بِهَا عَلَى أَحِبَّتِنَا ؟ .
فَنَقُولُ لَهُ بِالطَّبْعِ لَا .. فَالحُبُّ فِطْرَةٌ فِي النُّفُوسِ .. وَالإِسْلَامُ دِيْنُ المَحَبَّةِ وَالسَّلَامِ وَالأُخُوَّةِ وَالتَّرَابُطِ فِي كُلِّ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ وَالدُّهُورِ ، المَحَبَّةُ فِي الإِسْلَامِ لَدَيْنَا بِلَا مَوْعِدٍ وَلَا حُدُودٍ زَمَنِيَّةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ" فَفِي كُلِّ يَوْمٍ وَأَنْتَ تُلْقِيَ السَّلَامَ مَعَ ابِتِسَامَتِكَ العَذْبَةُ تَنْشُرُ أَنْسَامَ المَحَبَّةِ وَتَقُومُ بِإِحْيَائِهَا، فَالحُبُّ بَلْسَمٌ وَمِفْتَاحٌ لِمَغَالِيْقَ القُلُوبِ، وَدِيْنُنَا الحَنِيْفُ وَضَعَ لِلْحُبِّ حُدُودًا شَرْعِيَّةً كِي يَبْقَى طَاهِرًا نَظِيْفًا .. لَا يَحِيْدُ عَنْهَا إِلَى مَعَانِيَ أُخْرَى لَا رُقِيَّ فِيْهَا وَلَا سُمُوَّ.
إِخْوَانِي فِي اللهِ : عَاطِفَةُ المُسْلِمِ أَنْ يَفِيْضَ قَلْبُهُ بِالإِيْمَانِ، وَحُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ ، ثُمَّ يَنْبَعِثُ هَذَا الحُبُّ وَتَفُوحُ أَنْسَامُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَوْلِهِ، مِنْ أَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ ، لَيْسَ الحُبُّ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ، أَوْ كُرُوتٍ، أَوْ هَدَايَا، أَوْ شِعَارَاتٍ، أَوْ وُرُودٍ حَمْرَاءَ، لَكِنَّ المَحَبَّةَ الصَّادِقَةَ الحَقِيْقِيَّةَ، هِيَ الَّتِي تَكُونُ لِلهِ وَفِي اللهِ، قَالَ رَسُولُنَا الحَبِيْبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ " وَإِذَا أَبْلَغَ الأَخُ أَخَاهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ قَائِلًا إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ، يَكًوْنُ الجَوَابُ مِنْ مَحْبُوبِهِ " أَحَبَّكَ اللهُ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فِيْهِ " فَالمَحَبَّةُ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ تَكُونُ سَبَبًا فِي مَحَبَّةِ اللهِ لَهُمْ، وَبِهَذِهِ المَحَبَّةِ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: " أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي" فِي ذَلِكَ اليَومِ الرَّهِيْبِ الَّذِي تَدْنُو فِيْهِ الشَّمْسُ مِنْ رُؤوسِ الخَلَائِقِ.
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله جلساء يوم القيامة عن يمين العرش وكلتا يدي الله يمين على منابر من نور وجوههم من نور ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولا صديقين قيل يارسول الله من هم ؟ هم التحابون بجلال الله تبارك وتعالى "
المنذري الترغيب والرهيب اسناده لابأس به .
أَحِبَّتِي فِي اللهِ: إِنَّ حَوْلَ العَرْشِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَيْهَا قَومٌ لِبَاسُهُم مِنْ نُورٍ، وَوُجُوهَهُم مِنْ نُورٍ، لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء، وَصَفَهُم لَنَا رَسُولُنَا الكَرِيْمُ بِقَولِهِ: " الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ ، وَالْمُتجَالِسُونَ فِي اللَّهِ، وَالمُتَزَاوِرُونَ فِي اللهِ " جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُم.
فَمَا أَعْظَمَ دِيْنُنَا وَمَا أَسْمَاه، حَتَّى مَشَاعِرَ الحُبِّ الطَّاهِرِ لَا تَذْهَبُ هَبَاءً، بَلْ يُثِيْبُنَا اللهُ عَلَيْهَا إِنْ كَانَتْ لِلَّهِ وَفِي اللهِ .
لِنَجْعَلَ ذَلِكَ المِنْبَرَ وَظِلَّ العَرْشِ غَايَتُنَا .. إِنَّهَا أَمَانِيُّ رَائِعَة تُلَاحِق الخَيَالَ وَالحِسَّ . وَدَعْوَةٌ صَادِقَةٌ مِنَ القَلْبِ أَنْ نَجْعَلَ أَيَّامَنَا كُلُّهَا حُبٌّ فِي حُبٍّ وَإِخَاءٌ وَصَفَاءٌ؛ كَي تَتَّسَعَ دَائِرَةُ المَحَبَّةِ بَيْنُنَا نَحْنُ المُسْلِمُونَ ،، وَنَحِمَدُ اللهَ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَامِ ، الحَمْدُ لِلهِ أَنَّنَا لَسْنَا عُبَّادًا لِبَقَرٍ أَوْ صَنَمٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ، الحَمْدُ لِلهِ أَنَّنَا لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِلَهًا وَاحِدًا، وَنُعِزُّ جِبَاهَنَا بِذُلِّ السُّجُودِ لَهُ، وَالحَمْدُ لِلهِ عَلَى نِعْمَةِ الإِيْمَانِ العَظِيْمَةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيْنَا، فَلَا تُضَيِّعهَا أَخِي المُسْلِمُ أَو تُعَرِّضْهَا لِلْخَطَرَ مِنْ أَجْلِ فَالِنْتَايِن أَوْ غَيْرِهِ، ارْفَعْ رَأَسَكَ فَأَنْتَ مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَنْتَ مُسْلِمٌ مَيَّزَكَ اللهُ بِالإِسْلَامِ، فَلَا تَخْتَفِي بِالتَّقْلِيْدِ وَسَطَ الزِّحَامِ ، كَمَا أَنَّ هَذَا الكَلَام مُوَجَّهٌ إِلَى النِّسَاءِ أَكْثَرَ مِنْهُ إِلَى الرِّجَالِ ، فَهَذَا يَكْثُرُ بَيْنَهُنَّ، وَلَعَلَّ مَنْ سَمِعَتْ قَدْ سَمِعَتْ وَقَدْ جَاءَهَا النَّذِيْرُ .
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاحْذَرُوا نَهْيَهُ ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [الأنعام153] .
هَذَا العِيْدَ يُوَافِقُ هَذَا العَام يَوم الخَمِيْسِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ فِبْرَايِرَ، المُوَافِقَ لِلْرَابِعِ مِنْ رَبِيْعٍ الآخِرَ، أَي يَومَ الخَمِيْسِ القَادِمِ، وَنَحْمَدُ اللهُ أَنَّ مُنَاسَبَتُهُ هَذَا العَامُ وَافَقَتْ يَوْمَ تَعْطِيْلِ المَدَرِاسِ، وَإِلَّا لَكَانَ فِي المَدَارِسِ العَجَبُ العُجَابَ، خَاصَّةً مَدَارِسُ البَنَاتِ وَطَالِبَاتِ الجَامِعَاتِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي كُلِّ عَامٍ يُوَافِقُ عُطْلَةً، وَأَخْشَى أَنْ يَجْعَلُونَ يَوْمَ السَّبْتِ امْتِدَادًا لَهُمْ لِتَعْوِيْضِ مَايَفُوتُهُمْ يَوْم الخَمِيْسِ، وَهُنَا يَكْمُنُ دَوْرُكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ، بِتَبْلِيْغِ نِسَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَأَبْنَائِكُم فِي البُيُوتِ بِحْرَمَةِ الاحْتِفَالِ بِهَذَا اليَومِ، وَمُتَابَعِةِ مَا يَلْبَسُونَ وَيَقْتَونَ، فَهُوَ خَيْرُ شَاهِدٍ وَدَلِيْلٍ عَلَى حَالِهِمْ وَتَفَاعُلِهِمْ مَعَ هَذَا اليَومِ. وَهَذِهِ أَمَانَةٌ أَجْعَلُهَا فِي أَعْنَاقِكُم أُحَمِّلُكُم إِيَّاهَا، وَلَا أَقُولُ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُم إِلَّا : اللَّهُمَّ بَلْغْت، اللَّهُمَّ فَاشْهَد .
هلا فبراير
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.alkhafji.news/articles/2013/02/13/2431.html