[caption id="attachment_14804" align="aligncenter" width="114"] متعب عوض العنزي[/caption]
المُتأمل لحال الأُمتين، الإسلامية والعربية، لن يجد صعوبة بالغة بالحكم عليهِما ولو أمعن النظر قليلاً لوجد أن هاتين الأمتين من أضعف أضعف الأُمم في الزمن الحاضر والماضي القريب. قد يكابر البعض لينفي هذه الحقيقة المرة وهذا الواقع المرير الذي نعيشه ولا عجب في ذلك طالما أن الماضي كان مشرقاً والتاريخُ شاهداً ولكن يجب علينا الإعتراف بضعفنا، وذلنا، وهواننا، لنستطيع الوقوف على أقدامنا ونعيد أمجادنا السابقة التي أُخذت منا عنوة رغم أُنوفنا.
لا يخفى على الجميع كيف كان المسلمون أقوياء بوحدتهم وكيف استطاعوا التوسع لتشمل دولتهم عدداً من البلدان الأوربية إضافة الى مناطق كبيرة من شبه القارة الهندية والصين، وما يخفى على كثيرٍ من الناس أن الخلافة الإسلامية كانت ممتده منذ عهد أول خليفة للمسلمين، ابو بكر الصديق، ولم تنقطع الا بسقوط الامبراطورية العثمانية وبذلك سقطت الخلافة الإسلامية لأول مرة في تاريخها بعد أن كانت شامخة لأكثر من ألف سنة.
قبل مئة عام كانت أوروبا قابعة تحت الحرب، وكانت شعوبها شعوبٌ متناحرة تقتل بعضها البعض وفي تلك الفترة كانت الولايات المتحدة الأمريكية دولة ليس لها وزن ٌسياسي وكانت تبحث عن موقعٍ لها في خارطة العالم السياسية، وفي تلك الأثناء أيضاً كانت الامبراطورية النمساوية هي الأكبر على الإطلاق في أوروبا وتليها الامبراطورية الروسية الا أن الحرب العالمية الأولى قضت عليهما جميعا وفككت هاتين الإمبراطوريتين الى دويلات صغيرة وما حدث للخلافة العثمانية الا نتاج لهذه الحرب التي لم تجلب الخير لبلدان العالم الإسلامي والعربي على الإطلاق. وفي تلك الفترة ايضاً كانت الخلافة الإسلامية ضعيفة والخليفة العثماني ليس له ناقة ولا جمل في شؤون البلاد كما أنه كان حاكماً صوري فقط، أما دولة الخلافة فكانت كغيرها من بلاد المسلمين تعتمد على غيرها تكنولوجياً، فكانت بداية الرعاية الاستراتيجية مع بريطانيا العظمى وعندما أحس البريطان بضعف هذه الامبراطورية وتيقنوا سقوطها أقفلوا الباب بوجهِ سُلطانها فما كان منه إلا الإلتفاف وبشكل سريع لحضن ألمانيا التي كانت الطرف الأساسي في إشعال الحرب العالمية الأولى. ومن هذا المنطلق وجب تدخل الدولة العثمانية مع حليفتها في حرب خاسرة عجلت في سقوطها بعد هذا التدخل غير المبرر، فوجدت قوات التحالف "بريطانيا وفرنسا وروسيا" الفرصة لشن هجومٍ طال إنتظارة على إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية وكان الهدف من هذا الهجوم هو الإستيلاء على إسطنبول ومضيقها ولكن المفاجأة كانت خسارة الحلفاء وإنتصار الأتراك في تلك المعركة التي أبرزت شخص لم يكن معروفاً آنذاك وأصبح فيما بعد أول رئيس تركي وهو مصطفى كمال "اتاتورك" والذي عُرف عنه كرهه الأعمى لكل ماهو إسلامي، فوصل به الحال لمنع قراءة القرآن باللغة العربية وإستبدال الحروف العربية المستخدمة في اللغة التركية بحروف لاتينية ولم يكتفي بذلك بل منع الحجاب ومظاهر الإسلام ليحول تركيا من دولة إسلامية الى دولة علمانية. وبعد هذا الانتصار الوحيد للدولة العثمانية استطاع الحلفاء إسقاط بغداد أولاً ومن ثم القدس وبعد ذلك الشام وأخيراً عادوا واسقطوا إسطنبول.
كانت هذي اللحظات هي الأسوأ في تاريخ الأمة الإسلامية وخلال هذه الحرب وقبل نهايتها قسّم الحُلفاء المناطق العربية والإسلامية حسب مصلحتهم فروسيا إكتفت بإسطنبول وفرنسا بسوريا لتقتطع جزء منها وتطلق علية لبنان وكان الهدف إيجاد دولة خاصه للنصارى العرب، والجدير بالذكر هنا عندما استعمر الفرنسيون سوريا عملوا على إيجاد فئة تقف بجانبهم ضد الأغلبية السنية فكان الاختيار على الأقلية العلوية فأحتضنوهم وادخلوهم المدارس واعطوهم المناصب العسكرية الرفيعة بعد أن كانوا أشبه بالبربر وكان نِتاج هذه العملية هو اعتلاء الابن المدلل للقوات الفرنسية حافظ الأسد للسلطة بعد خروج القوات الفرنسية بنحو ٢٥ عاماً، أما بريطانيا فكان لها نصيب الأسد فيما تبقى من بلاد المسلمين، والعجيب في الأمر أن بريطانيا كانت أثناء الحرب وقبل الإنتصار تعطي الوعود وتقسم البلاد، فقد قامت بإعطاء الشريف حسين حاكم مكة وعداً بجعلة خليفة المسلمين وتحقيق الحرية والإستقلال لشعبة إذا ما إستطاع القيام بثورة تُسقط الدولة العثمانية، ولا يخفى على الجميع دور لورنس العرب في ذلك والذي كان مقربا جداً للأمير فيصل الابن الأصغر للشريف حسين، في حين أعطت اليهود الصهاينة وعداً قاطعاً بتشكيل دولة خاصه بهم في فلسطين.
لا شك أن الفترة الواقعة بين بداية الحرب العالمية الأولى ونهايتها ١٩١٤-١٩١٨ كانت وصمة عار في التاريخ الإسلامي والعربي وذلك لقبوعهما تحت الاستعمار ولتبعيتهما للدول الاستعمارية والقوى العظمى بتنفيذ وتطبيق جميع مخططاتهم لإسقاط العثمانيين بدلاً من الثورة على أعداء المسلمين الذين خاضوا حروب صليبية وارتكبوا المجازر في حق الشعوب الإسلامية والعربية وكانت هذه الدول المستعمرة تعد العرب بالحرية والإستقلال بينما كانت تحيك المؤامرات ضدهم وتعد الصهاينة بالأرض الموعودة لتكوين دولتهم وفق اتفاقية سايكس-بيكو التي لم تجلب الخير لهذه الأمة على الإطلاق، وبعد كل هذه الأحداث وسقوط عدة امبراطوريات من اهمها الامبراطورية العثمانية، تغيرت خارطة العالم الإسلامي بشكل جذري حيث قام الحلفاء بعقد مؤتمر السلام في باريس والذي كان بعيداً كل البعد عن السلام وأقرب ما يكون لتقاسم الغنائم، فأتى الأمير فيصل ليطالب بالوعود المقطوعة لوالده الشريف حسين ولكن الصهاينة كانوا الأقوى نفوذاً والأكثر سيطرة فتم تجاهل مطالب الأمير فيصل وإقرار الاتفاقية التي تكفل للصهاينة حق إنشاء دولة لهم في فلسطين. وفي المقابل فقد تم إعطاء مكة للإبن الأكبر للشريف حسين واسمه علي ليطلق حينها لقب ملك الحجاز على نفسة، أما الأمير فيصل فتم إعطاءه العراق فأطلق على نفسه كذلك ملك العراق، أما الإبن الثالث فهو الشريف عبدالله والذي أصبح ملكاً على الأردن والغريب أنه الوحيد الذي قدر الله له النجاح من بين إخوته واستمر حكمة الى هذه اللحظة، فالأمير فيصل توفي ليترك المُلك لابنة الصغير الذي قُتِل هو وعائلته بكل وحشية في العراق إثرَ إنقلابٍ عسكري أما الشريف علي فتم التخلي عنه من قبل البريطانيين لصالح جهات أُخرى تم دعمها بإتفاقيات سرية للغاية.
الشاهد في هذه الأحداث كيف تم تفكيك وحدتنا وجعلنا أُمة ً مُتشرذمة ومُتناحرة لا يقبل كلٌ منا بالآخر بعد أن كُنا صفاً واحداً يصعب اختراقه وتجاوزة، وكل ما أخشاه الان أن يعيد التاريخ نفسه ويتم تقسيم المقسم بناءً على إتفاقيات جديدة قد تُعرف لاحقاً بإتفاقية كيري-لافروف.
متعب بن عوض العنزي
التعليقات 7
7 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
شهد
02/25/2014 في 3:44 ص[3] رابط التعليق
بدايه مقال رائع جدا .. فهو يحاكي ألما تعيشه الأمه الاسلاميه التي تغيب عند كثيرا منها الضمير ليصبح كل فرد منها يبحث عن مصلحته الفرديه وليس المصلحه الكليه التي تعود على الجميع بالنفع..فأصبح الفرد منهم يقدم السكين في يد عدوه ليقتل به أخيه المسلم ..
أحمد العريفي
02/25/2014 في 5:03 ص[3] رابط التعليق
كلام جميل جداً و واقع يثبته بنفس الوقت، نسأل الله أن يحفظ أمتنا الإسلامية و العربية و أن يعز الإسلام و المسلمين.
شكرًا لك أخ متعب.
ابو نهيه
02/27/2014 في 9:48 ص[3] رابط التعليق
واقع مرير للأسف..بارك الله فيك اخ متعب
Ashwaq alanazi
02/28/2014 في 1:12 م[3] رابط التعليق
مقال رائع …
نور
03/01/2014 في 11:27 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع ويحكي الواقع سلمت أناملك أستاذ متعب ..
محب الخفجي
03/02/2014 في 1:01 م[3] رابط التعليق
شكرا ابوعبدالله هاذا الواقع كلام جميل من انسان رائع
ابومحمد
03/03/2014 في 8:33 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع فيه ربط ممتاز ويحكى واقع مرير نمر عليه الان من الهوان والخذلان ولكن الله غالب على امره ولو كره الكافرون، والله ينصر من كان في نصره عز للاسلام والمسلمين.