[caption id="attachment_115202" align="aligncenter" width="246"] الشيخ عطالله العتيبي[/caption]
الحمد لله المؤمن فلا يظلم مثقال ذرة وصلى الله وسلم على القائل : " المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم " وعلى آله وأصحابة الميامين وأتباعهم بأحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
نعمة الأمن نعمة جليلة ومنة كبيرة هي مطلب الأمم وغاية الدول فمن أجلها جندت الجنود ورصدت الأموا ل وفي سبيلها قامت الصراعات واشتعلت الحروب إنها نعمة الأمن هي دعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام باني الكعبة حيث قدم في دعائه طلب نعمة الأمن النفسي على ألأمن الغذائي كما قال تعالى : ( واذ قال إبراهيم رب أجعل هذا بلداً أمناً وارزق أهله من الثمرات .... اية 126 سورة البقرة )
وذلك لأنه لا يهنئ بطعام ولا بشراب إلا بالأمن وفي التأمل للأمم التي فقدت الأمن وما جرى لشعوبها عبرة في قدر نعمة الأمن قال تعالى : ( أولم يرو أنا جعلنا حرماً أمنا ويتخطف الناس من حولهم .... الأية 67 سورة العنكبوت )
والشكر على نعمة الأمن مفتاح للزيادة كما قال تعالى : ( واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ... الآية ) وإذا قال تعالى : ( وأذكروا إذ انتم قليلاً مستضعفون في الأرض تخافون أن يختطفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصرة ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ... أية 26 سورة الأنفال )
قال قتادة بن دعامه السدوسي رحمه الله في هذه الآية : " كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاهم عيشا وأجوعهم بطونا وأعراهم جلودا وأبينهم ضلالا من عاش منهم عاش شقيا ومن مات منهم ردي في النار يؤكلون ولا يأكلون والله ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذ إذ كانوا أشر منزلاً منهم حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد ووسع به في الرزق وجعلهم ملوكاً على رقاب الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم أمناً في سربه معافاً في جسده عنده قوة يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " رواة الترمذي وأبن ماجه . ( ولما دخل صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً عام الفتح منح أهلها أعظم ما تتوق إليه نفوسهم وهو الأمن ( إكسير الحياة وجوهرها ) فقال : " من دخل دار أبي سفيان فهو أمن ومن ألقى السلاح فهو أمن ومن دخل المسجد فهو أمن " رواه مسلم
في ضلال الأمن تعمر المساجد ، تقام الصلوات ، تحفظ الأعراض والأموال ، تؤمن السبل ، تطبق شريعة الله ، تنشر الدعوة إلى الخير .
في رحاب الأمن : يسود الاطمئنان ويعم الخير والرخاء وينتشر العلم وتستمر عجلة التنمية ويزدهر الإنتاج ولو انفرط عقد الأمن ساعة لعمت الفوضى وتعطلت المصانع وكثر الهرج ، وتحكم اللصوص وقطاع الطريق ولنتأمل في من حولنا من البلاد سنجد الواقع ناطقاً وهو خير شاهد على هذ الحقيقة المرة . قال تعالى : ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها أسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز )
فما هي مقومات الأمن يا عباد الله ؟
إن نعمة الأمن له مقومات لا تدوم إلا بدوام أسبابها :
أولاً : توحيد رب العالمين وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له فهي من أعظم ما يتحقق به الأمن التام ويحفظ ، وفي المقابل فالشرك أعظم الظلم وهو من أسباب محق البركات واندثار الخيرات وحلول النقمات .
فالأمن والإيمان قرينان فلا يتحقق الأمن التام إلا بالإيمان قال تعالى : ( الذين أمنو ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) 82سورة الأنعام .
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحيى دينا
ومن رضي الحياة بغير دينٍ فقد جعل الفناء لها قريناً
فلأمن التام في توحيد رب العالمين وطاعته ولزوم شكره وحسن عبادته قال تعالى : ( الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الأ بذكر الله تطمئن القلوب ) ( الذين أمنوا وعلموا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب ) 28، 29 سورة الرعد
ثانياً : التمسك بالوحيين الصافيين الكتاب والسنة علماً وعملا وتأدباً وأخلاقاً على أيدي العلماء الربانيين الذين تضلعوا من الكتاب والسنة وذلك بسؤالهم والاستفادة منهم وملازمتهم .
فبالعلم النجاة من المخازي وبالجهل المذلة والرغام .
فالعلم الشرعي عصمة من الفتن والتعليم الشرعي أساس في رسوخ الأمن والاطمئنان قال أبن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين عن رب العالمين : " وإذا ظهر العلم في بلد أو محله قل الشر في أهلها وإذا خفي العلم هناك ظهر الشر والفساد "
ثالثاً : تربية الأمة على طاعة الله تعالى والاستقامة على شرعة والبعد عن معصيته فعن سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه ، قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسال عنه أحداً غيرك قال : " قل أمنت بالله ثم أستقم " رواه مسلم .
فحينئذ لا تحتاج النفوس المطيعة إلى رقابة قانون وسلطة دولة لكي تردعها من الجرائم لان رقابة الله و الوازع الديني في قلب المؤمن يقظ لا يغادر في جميع الأحوال قال القحطاني رحمه الله :
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فأستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
رابعاً : القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية والآداب المرعية فهي صمام أمان لمنع الشرور والآفات عن المجتمعات وبها يحصل العز والتمكين
خامساً : القيام بالعدل في كل جوانب الحياة ومتى تحقق العدل دام الأمن بإذن الله تعالى كتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لأحد الولاة لما طلب ترميم المدينة لما تهدم طرف منها فقال : "يا أمير المؤمنين أرى أن تقطع لنا مالاً نرممها به" فكتب إليه :" إذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل ونقي طريقها من الظلم فإنه عمارتها "
ولا غروا في كلامه رحمه الله فإن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد قال فيه الشاعر حافظ إبراهيم رحمه الله :
وراع صاحب كسرى إن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها
فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهمو فنمت نوم قرير العين هانيها
سادساً : دعم المؤسسات العاملة في تربية الناشئة من حلق تعليم القرآن والنوادي الصيفية والجمعيات الخيرية والتنمية الأسرية التي تعتني بحلول المشكلات الأسرية ومعرفة أسباب انحراف الشباب .
همسات :
لوحة الأمن نشترك جميعاً في صنعها حينما نتعاون مع الواقع بميزان الشرع والعقل بعيداً عن الأهواء والعواطف والرغبات الشخصية .
لوحة الأمن نصنعها حينما نحفظ حدود الله ونتقي محارم الله ونشكر نعم الله .
لوحة الأمن نطبعها بالسمع والطاعة لمن ولاها الله الأمر قال تعالى : (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خيراً وأحسن تأويلا ) آية 59 الانعام
كم يدفع الله بالسلطان معظلة في ديننا رحمه منه ودنيانا
لولا الائمة لم تأمن لنا سُبل وكان اضعفنا نهباً لاقوانا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
محبكم : الشيخ عطالله بن عبدالله العتيبي