[caption id="attachment_14804" align="aligncenter" width="100"] متعب عوض[/caption]
تعيش جميع الامم تحت غطاء ثقافات متعددة لذلك تُعد الثقافة عنصر أساسي في حياة جميع الامم، فبعض هذه الثقافات يكون مقبول والبعض الاخر لا يتوافق مع مخالفيه فيتم نبذه. والعجيب أن كل فئه تعتقد انها الأفضل وترى القصور والنقص في الثقافات الاخرى.
في الحقيقة أن الأغلبية الساحقة من البشر يقومون برسم مفهوم خاطئ عن الثقافات الاخرى والأدهى من ذلك أن هذه المعلومات تكون مستوحاة من الاعلام أو بعض القصص المنقولة والتي غالبا ما تكون عارية من الصحة. فالأفضل قبل الحكم على أي مفهوم هو التثبت من صحة المفاهيم المنقولة لنا وعن أسبابها، فإذا عُرف السبب بطل العجب.
قبل ما يقارب الشهرين قمت بكتابة بحث بسيط عن فئه تعتبر من الأقليات في الولايات المتحدة الأمريكية وهذه الفئه غالبا ما يكون أفرادها منغلقين على أنفسهم دون أن يكون لهم دور في إيذاء من يجاورهم أو يخالفهم في معتقداتهم وتصورهم الخاص للحياة على سطح الارض. فبعد جمع عديد يسير عما كُتب وعُرض عن هذه الفئه عبر الاعلام اضافة الى بعض المعلومات الخاطئة لدي والمتكونة أيضاً من الاعلام نفسه ومن خلال قراءة بعض الكتب المتخصصة ومشاهدة بعض البرامج الوثائقية، تبين لي القصور الكبير والفهم الخاطئ المتراكم عبر السنين لكثير من الثقافات والمفاهيم التي نسمع عنها ولم نحاول التثبت من صحة أو دقة المعلومات الواردة لنا، فنقوم بالتندر من هذا وذاك دون أن نشعر بأن الآخرين يملكون نفس الصورة النمطية الخاطئة عن ثقافتنا ونمط حياتنا.
كان البحث البسيط عن فئه تقطن في قلب أمريكا وتسمى بالآميش، وهم بإختصار فئه مُتدينة هاجروا في القرن الثامن عشر الميلادي من ألمانيا وسويسرا للفرار بدينهم بعد أن أُقيمت المجازر بحقهم. وهم يؤمنون إيمان تام بوجوب العيش وفق النمط القديم، فهم يحرمون استخدام الكهرباء وركوب السيارات ويستخدمون الخيول والعربات عوضاً عنها، ويحرمون أيضاً استخدام التكنولوجيا اضافه الى تحريمهم استخدام الهواتف بجميع أنواعها. ففلسفتهم قائمه على مبدأ نعيش كما عاش أجدادنا وأنبيائنا. كما أنهم يُحرمون التعليم ولكن في المقابل يوجود لديهم مدارس خاصه غير رسميه تقوم بتدريس العلوم الشرعية فقط اضافه الى بعض العلوم البسيطة التي قد يستفيد منها الفرد في حياته الدنيوية. فالآميش هم الفئة الوحيدة المستثنية من التعليم الإلزامي في الولايات المتحدة الامريكية اضافه الى عدم إيمانهم بالوثائق الرسمية كالهوية الوطنية وشهادات الميلاد ونحوها.
يعتبر المجتمع الآمشي من أكثر المجتمعات المسالمة فهم لا يتدخلون بغيرهم ولا يفرضون آراءهم على غيرهم وفي المقابل يعيشون بعزله تامه تحقق لهم أهدافهم ونمط عيش وفق مبادئهم واعتقاداتهم. فالآمشي يحق له بعد سن الثامنة عشر أن يخرج من هذا المجتمع ليستكشف حياة المدينة وله الحق في العودة أو الخروج النهائي ولكن بإتخاذه قرار الخروج فلن يجد أي ترحاب من قبل أفراد عائلته أو باقي الآميشيين ويعتبر بالنسبة لهم مرتد لا يحق لهم الحديث معه أو الوقوف بجانبه والغريب في الامر وحسب احصائية قامت بها إحدى البرامج الوثائقية أن أربعة من كل خمسة آمشيين يخرجون، يعودون لذويهم ويتركون حياة المدينة بكل مغرياتها.
ما لفت انتباهي في هذا البحث هو الكثير من أوجه التشابه بين هذه الفئه وبين التعاليم الاسلامية وهذا ليس بمستغرب كونهم فئه متدينة استاقت تعاليمها من أحد الديانات السماوية. فمن أوجه الشبه تحريم كشف المرأه لشعرها وتحريم اللباس الضيق الذي يظهر محاسن المرأه أضافه الى تحريمهم لشرب الخمر والزنا وايضاً يجب إعفاء اللحى للمتزوجين، ومن أوجه الشبه أيضاً تعاونهم وعملهم كمجموعه فعندما يمرض احد أفراد المجتمع يقوم الجميع بالتعاون للقيام بما يلزم لحين تماثله للشفاء اما في حال تعرض أحدهم لحادث كالحريق او غيره فيقوم الجميع بالتعاون لتعويضه عن كل هذه الخسائر أضافه إلى بناء منزل جديد له.
قبل التعمق والقراءة عن هذا الفئة لم أتصور أن أجد كل هذه الصفات الحميدة بهم، فالاعلام الامريكي والمجتمع ككل يصورهم على أنهم رجعيين ومتخلفين لا يفقهون شيئاً ويحاربون كل مظاهر التكنولوجيا دون التطرق لأسبابهم أو ذكر نمط حياتهم الداخلية والتي تجعلك تحترمهم لتمسكهم بمبادئهم وقيمهم رغم عيشهم في أكثر البلدان تفتحاً.
متعب بن عوض العنزي
التعليقات 7
7 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
شهد
07/01/2014 في 6:35 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع جدا يكتب بماء الذهب
فكثيرا ما نحكم على الاخرين دون التثبت من الأمر ، علما بأن الله أوصانا في كتابه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) ﴾
( سورة الحجرات)
الصدق
07/01/2014 في 10:47 ص[3] رابط التعليق
شكرآ لك علي ماكتبت . فنحن ولله الحمد يوجد لدينا الكثير. في مجتمعنا سواﺀ من القبائل او الحضر متمسكين بتعاليم دينهم وكذلك افعال اجدادهم وابائهم ولم تغيرهم الحضارات والموضات ومحافضين بكل معنى الحشمه ولكن كل من يفهم ويرسم لهذه الثقافات او ينساق وراﺀ الاعلام او كلام المجتمع فهو لايعي شي في الحياه او حتي في الدين فهناك الكثير لبحثك اخي العزيز ولك الشكر? رأي شخصي لااجد به شي من الفائده وقد اكون مخطى ( فهناك منهم يعملون اشياﺀ حث عليها ديننا وهم غير مسلمين )
جمال العنزي
07/01/2014 في 11:06 م[3] رابط التعليق
مقال رائع وكان بودي لو امكنك الالتقاء بأفراد من هذه الطائفه فذلك حنماً سيثري بحثك
جميل أن نشارك الاخرين معارفنا والأجمل أن نصحح المفاهيم المغلوطة عن الثقافات الأخرى
دمت بخير ووفقك الله
سلطان المعلا
07/02/2014 في 4:26 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع جدا بصراحة من انسان مبدع ..
للاسف هذا الحقيقة ولكن بالعلم والتنوير نستطيع ان نشعل في عقولهم شمع علم ومعرفة ..
استمر في ابداعك يااخي
صالح العنزي
07/02/2014 في 5:15 م[3] رابط التعليق
بارك الله فيك موضوع شيق
ابو نهيه
07/03/2014 في 11:22 ص[3] رابط التعليق
كنت قد شاهدت احد الافلام الوثائقيه عن الاميش ويظهر لي انهم يتزوجون باكثر من واحده
..شكرا لك ابو عبدالله ع الموضوع الجميل
ومبروك عليك الشهر وعساك من عواده كل عام
سامي عوض
07/21/2014 في 9:47 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع واستمر في ابداعاتك . الله يوفقك ويسهل امورك