[caption id="attachment_887" align="aligncenter" width="100"] الشيخ عطالله العتيبي[/caption]
للحج حكم عظيمة ، وأسرار سامية ، وأهداف كريمة ، تجمع بين خيري الدنيا والآخره ، وقد أشارت إليها الآية الكريمة ، قال تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) }الحج : 28{ ، فهو مجمع حافل كبير يضم جميع وفود المسلمين ، من أقطار الدنيا في زمن واحد ، وصفا واحدا فيما يعود عليهم بالنفع في أمر دينهم ودنياهم .
وفيه من الفوائد والمنافع الاجتماعية والثقافية والسياسية ما يفوت الحصر عده .
وهو عبادة جليلة لله تعالى ، تشمل أنواعا من التقرب إلى الله تعالى ، بالتذلل والخضوع والخشوع ، وبذل النفس والنفيس من النفقات ، وتجشم الأسفار والأخطار ، ومفارقة الأهل والأوطان ، كل ذلك طاعة لله تعالى ، وشوقاً إليه ومحبه له ، وتقربا إليه في قصد الكعبة المشرفة ، والبقاع المقدسة .
ومن أجل هذا جاء الحديث الذي في الصحيح " (( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )) هذا إذا قصد العبد بحجه وجه لله تعالى ، واحتسب الأجر من الله تعالى ، ثم تحرى إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في حجه ، وأعماله كلها ، وابتعد عما ينقص حجه من الرفث والفسوق والجدال بالباطل ، ونفى عقيدته من البدع والخرافات والاتجاهات المنافية لدين الإسلام . وهكذا يجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه لله تعالى ، والدار الآخرة ، والتقرب إلى الله تعالى بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة ، ويحذر كل الحذر من الرياء والسمعة والمفاخرة وحصول الألقاب ، فإن ذلك من أقبح المقاصد ، وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله .
قال تعالى : }مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ (سورة هود آية: 15-16) .
كما ينبغي أن يعد لحجه وعمرته نفقه طيبة حلالا ، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، فإن حج بمال حرام من غصب أو ربا ، عالما بذلك وقت حجه ، لم يصح حجه ، وإن كان وقت أداء الحج أو العمرة لا يعلم عن حرمته ، فحجه وعمرته صحيحان ، وأما المال الحرام فيخرجه بعينه إن كان موجودا أو مثله إلى صاحب الحق ، أو يتصدق به ، ومثله المكتسب من الربا .
وجاء في مسند الإمام أحمد ، وسنن ابن ماجه ، والدار قطني بإسناد صحيح من حديث عائشة : أنها قالت : (( يا رسول الله على النساء جهاد؟ قال : نعم عليهن جهاد لا قتال في الحج والعمرة )) أصل الحديث في البخاري ، وقد صححه ابن خزيمة .
قال الألباني : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
وهذا الحديث حجه لمن فضل نفل الحج على نفل الصدقة .
ولذا قال الشيخ تقي الدين : الحج على الوجه المشروع أفضل من الصدقة التي ليست بواجبة ، وإيقاعه على المشروع هو أن يأتي بالواجبات ، ويجتنب المحرمات ، سواء كانت مما يتعلق بالحج أولا .
فيبدأ بالتوبة من جميع المعاصي ، ويعزم على أنه لا يعود إليها ، ويخرج من مظالم الناس وحقوقهم ، فيردها إلى أصحابها أو يتحلل منهم .
ويستحل كل من بينه وبينه معاملة ، أو صحبه أو قرابة ، ويرضي والديه ، ومن يتوجه عليه بره وطاعته ، ويحرص على النفقة الحلال .
ويجتهد في الرفيق الصالح ، وإذا كان عالما عاملا ، فهو أكمل ليدله على الخير ، ويحذره من الشر ، وليؤدي نسكه على الوجه الأكمل ، وليقتبس من هديه .
ويودع عند السفر أهله وجيرانه وأصحابه وسائر أحبابه ، ليحصل على دعائهم له ، ويحسن أخلاقه مع رفقته ، ويلين لهم الجانب ، ويقوم بما يناسب حاله من خدمتهم في السفر ، ويجتنب المخاصمة ، ويصون لسانه عن الشتم والغيبة وغيرها .
ولا يضيع وقته بكثرة مجالسة الرفقة ، وإطالة المزح معهم ، وإنما يكون الاجتماع بهم في الأوقات المناسبة ، وأن تكون للفائدة ، وبحيث المسائل العلمية لا سيما ما يتعلق بالمناسك ، أو بأحوال المسلمين .
وعليه أن يحرص أن يكون في أكثر أوقاته منفردا ، يأنس بالله تعالى وذكره وتلاوة كتابة وتدبره .
محبكم
عطالله بن عبدالله