2- الكلام في الفتن
ذكرت في مقال سابق أن الضابط في الفتن التي يجب الكلام فيها، هي التي يتضح فيها الحق ويتبين فيها الظالم من المظلوم،
ولئن كان الكلام في الفتنة البينة الواضحة لامندوحة فيه، فلا يعني ذلك التطاول والسب والشتم ، كما فهم ذلك من لم يؤت بسطة في العلم، بل يجب أن يكون الكلام منضبطا بما تمليه الشريعة من ضوابط وآداب، فالكلام ما شرع وأبيح في الفتنة إلا لبيان الباطل والمنكر وتوضيح الحق الواجب إتباعه، وغني عن البيان أن السب والشتم محرم في شريعتنا ويعلم ذلك كل من لديه أثارة من علم.
جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعا " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به فقيها فيما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به رفيقا فيما ينهى عنه، حليما فيما يأمر به حليما فيما ينهى عنه"
وقال العز بن عبدالسلام رحمه الله "كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل".
وبذلك يتبين لنا أن الغاية لا تبرر الوسيلة كما يعتقد البعض، وأن من يروم إتباع الحق وقصده حسن قد يفسد من حيث لايشعر إذا حاد عن إتباع المنهج الشرعي، فلا بد من حسن الإتباع لنتحصل على النتائج المرجوة، قال صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) متفق عليه.
فالاصل عدم الكلام إلا إذا علم أن كلامه حق في ذاته حق في أثره المترتب عليه.
وعندما نقول حق في أثره فالمقصود بيان الفرق بين صحة الكلام ظاهرا والأثر المترتب عليه، إذ قد يترتب على الكلام مفسدة أعظم من مفسدة السكوت، فحينئذ فلا يجب التكلم وإن كان الكلام حق في أصله، قال تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) الانعام ١٠٨.
اذا يتقرر لدينا من ذلك أن الكلام يتبين صوابه من خطأه بالنتيجة أو العاقبة التي سيؤول إليها، وهذا تطبيق للقاعدة "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة"، حتى لو ترتب على ذلك تفويت مصلحة
وعندئذ يأتي دور التأصيل الشرعي في معالجة الأمور وتحديد المواقف، ويبرز فقه المصالح والمفاسد وتطبيق القواعد الفقهية كقاعدة "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف" أو "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بإرتكاب أخفهما"
وإن الناظر في أحوال بعض المتكلمين في واقع الأمة والفتن الحادثة، يجد أن بعضهم لا يفقهون النصوص الشرعية والقواعد المرعية ولا يملكون نظرا ثاقبا في مآلات الأقوال والأفعال ويرتكزون على عنصرين وهما، الحماس غير المنضبط، والاندفاع غير المدروس، ولذلك فهم يفسدون أكثر مما يصلحون.
نحن ندرك أهمية الحماس، لكن لابد من إخضاعه للعقل الملتزم بقواعد الشرع، فالحماس بلا عقل ضرر، والعقل بلا شرع إنحراف. قال بعض السلف "الفتنة إذا أقبلت عرفها العلماء وانغمس فيها الدهماء، وإذا أدبرت عرفها الدهماء".
إن من فقه الفتن عدم التحزيب والإنتصار لغير ماورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما عليه ولي الأمر مما ليس معصية لله، قال تعالى (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء.
نحن في زمن أصبحت فيه الحاجة ماسة وملحة للإلتزام بالحلم والأناة في معالجة كثير من أمورنا، قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة) رواه مسلم.
ومعنى الحلم التعقل والتصرف بحكمة في الأمور الحادثة، ومعنى الأناة التثبت وترك العجلة.
أيها الإخوة لا سبيل لنا بالتخلص من الفتن والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام بفهم السلف الصالح ومن اقتفى أثرهم من أئمة المسلمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
مستشار شرعي وقانوني
التعليقات 6
6 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
زائر
08/14/2017 في 4:14 م[3] رابط التعليق
الله يبيض وجهك على المقالات الهادفه
زائر
08/15/2017 في 6:11 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير
زائر
08/16/2017 في 2:27 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير مقال رائع
زائر
08/16/2017 في 4:58 م[3] رابط التعليق
تسلم ، الله يجزاك خير
ابو سامر الخالدي
08/21/2017 في 10:27 ص[3] رابط التعليق
لافض فوك ابا تركي .. مقال اكثر من رائع .. تجعلنا دائما ننتظر جديدك باسلوبك الرائع وسردك الممتع .
زائر
08/21/2017 في 6:21 م[3] رابط التعليق
بإذن الله
جزاك الله خير