لا شك أن التقدم التقني له فوائد عظيمة وسهل على البشر حياتهم وجعلهم ينجزون الكثير في وقت قصير. ولا يمكن التغاضي أبداً عما فعلته التقنية في السنوات الماضية بتصغير العالم وجعله أشبه بالقرية الصغيرة جداً، فما يحدث في الولايات المتحدة الامريكية أو أي بقعة بالعالم يستطيع أن يراه انسان بسيط مستلقي في بيته الصغير في المملكة العربية السعودية لحظة حدوثه. وكما أن التقنية لها فوائد من تسهيل حياة الناس، فإن لها سلبيات كثيرة تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على حياتنا خاصةً ما يحدث في الثلاث سنوات الماضية في وسائل التواصل الاجتماعي وخرق الخصوصية وتنازل الكثير عن خصوصيته وحياته الشخصية وبعض القيم والمبادئ فقط من أجل الشهرة وعدد المشاهدات والانتشار.
وسائل التواصل الاجتماعي كغيرها من الممكنات التي خدمة البشرية جمعاء ولها الكثير والكثير من الفوائد وسهلت حياتنا بشكل ملحوظ وأصبحنا نتواصل مع بعضنا البعض بطرق سهله وبسيطة مما عزز لدينا معرفة أخبار أفراد الاسرة والأصدقاء حتى وإن كانوا في أقصى بقاع الارض، ولكن المشكلة تكمن في استخدام التقنيات الحديثة في غير ما خصصت له وتساهل البعض، وللأسف البعض هنا كثرة، تساهل في بث حياتهم الخاصة ونشرها على الملأ لزيادة المتابعات أو كما يزعمون لتقديم محتوى، فأصبح هذا الأمر هوس عدد كبير من المشاهير. والذين قد يدخلون في حالة اكتئاب مزمن عند نقص مشاهداتهم أو عدم متابعتهم من الجمهور.
الأمثلة على هذا كثيرة ولا حصر لها، فقد شاهدنا من يحاول الكذب بقصص واهية لعمل مقاطع ذات محتوى تجلب البلبله وبالتالي الانتشار السريع وتداولها بشكل واسع، وأيضاً التهجم على أحد الشخصيات المعروفة لمجرد أنه ظهر في مقطع يقول فيه أن (الفيمتو) غير مضر الا على الاشخاص المصابين بالأمراض ، متهماً اياه أنه يريد الشهرة! وعندما هاجمه الرأي العام منتقداً حديثه، ظهر من جديد ليتبع ما يريده الجمهور ولزيادة المشاهدات بالطبع بأن (الشيطان حرضه على هذا الشيخ الجليل)!!
ورأينا أيضاً ذلك المشهور الذي يعتقد أنه محور الكون وأن العالم العربي يتابع حياته الشخصية وكيف قام هو وأصدقائه بتقديم هدايا فارهه (سيارة فارهه) لبعضهم البعض وكيف اكتشف الجمهور أنها تمثيلية هزيلة وأن هذه الهدايا لم تكن الا من أجل تقديم محتوى الهدف منه كما ذكرنا سابقاً جلب الانتباه. ونفس هؤلاء الاشخاص قاموا كذلك بالسفر لأحد الدول مصطحبين أمهاتهم فقط لعمل شيء غير مألوف على مجتمعنا والهدف لا شك أصبحتم تعرفونه.
ما جعلني أخرج عن صمتي وأكتب ما كتبت هو الزيادة الملحوظة بين شبابنا وبناتنا في تسريب حياتهم الخاصة للعلن دون مراعاة لحياة الأسرة فأصبح الأب والأم والأخت والأبناء مجرد أدوات في يد هذا المشهور يستخدمها بعبث لرفع القيمة السوقية له، ليتفاوض بها مع الجهات لزيادة قيمة الإعلان التجاري.
شاهدت يوم أمس مقاطع انتشرت وهي والله غيض من فيض، لمشهور قام بتزويج والده في أحد الدول المجاورة وهذا الأمر لا ضير فيه ولكن ما لفت إنتباهي المبالغات التي تمت وتصوير الشعب السعودي بأبشع صورة ممكنه بل أنه تنازل تماما عن خصوصية العائلة وما كان في السابق يجب أن يحدث في محيط الأسرة فقط أصبح يحدث الآن على الهواء مباشرة وتحت أنظار الكاميرات ويبث للجميع ولا أستبعد التخطيط لهذا السيناريو الرديء.
هذه الحيل التسويقية تستخدم كثيراً في عالم التسويق لا سيما عندما لا يكون هناك تنظيم واضح لآلية إعلانات المشاهير أو ما ينشر في حساباتهم الشخصية. وقد قامت الدولة مشكورة في الاونة الأخيرة بمحاسبة كل مخطئ ومسائلة أصحاب هذه الحسابات عن كل ما يبدر من هذا الحساب سواء بقصد أو دون قصد ولكن ننتظر المزيد وذلك بسنن لوائح وأنظمة تساعد على تنظيم هذا المجال وتقلل من التشوه البصري والسمعي الذي نراه كل يوم من قبل أشخاص لا هم لهم الا زيادة المشاهدات وحصد الأموال بغض النظر عن الطريقة.
متعب العنزي
مرشح دكتوراة في الإدارة والقيادة ومتخصص في الموارد البشرية وادارة المشاريع
@malanzi18