كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مشاريع الريادة والعمل الحر وظهر العديد ممن يصنفون أنفسهم رواد أعمال في وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن هذا الأمر مطالبين الشباب بترك وظائفهم واللحاق بركب رواد الأعمال والاعتماد على العمل التجاري. لا شك أن تسعة أعشار الرزق في العمل الحر ومعظم اقتصاديات الدول المتقدمة قائمة على المنشآت الصغيرة والمتوسطة ولكن هذا لا يعني أن الجميع مهيئ وقادر على ذلك ويستطيع أن يبدأ مشروعه، فلكي تبدأ عملك الحر وتنشأ مشروع خاص فيك يجيب أن تتوفر لديك عوامل عدة تساعد في إنجاح العمل. وقبل أن تستمع للأصوات المطالبة بترك عملك الوظيفي وتقرر ترك العمل والدخول في هذا المعترك يجب عليك أن تعي المتطلبات الأساسية وأن تفكر بعمق قبل اتخاذ أي قرار. فترك الوظيفة ليس بالأمر اليسير وتترتب عليه مسائل عدة مهمه والتزامات قد يؤدي عدم سدادها لتعثر نتائجه وخيمه.
وجود فكرة مميزة لا يعني بأي حال من الأحوال النجاح، فالفكرة قيمتها لا تتجاوز ريال واحد إن لم يتم العمل عليها وتنفيذها وتوفير بيئة مناسبة لنجاحها، فالفكرة هي البذرة الأساسية ولكي تثمر هذه البذرة يجب على صاحبها دراسة السوق وعمل دراسة جدوى وأيضا التخطيط بشكل جيد لكل جوانب مشروعه ووضع المخاطر بعين الاعتبار ومن ثم البدء في تنفيذ المشروع والتعامل بعد ذلك مع العقبات التي ستأتي لا محاله وقد تغير مسار مشروعك بشكل كامل حسب معطيات السوق. ونجاح المشاريع يكمن في همة وجهد الشخص القائم على المشروع بشكل أساسي وصبره وإيمانه التام بنجاح هذا العمل وأيضاً طريقة التعامل مع المشاكل والعقبات التي ستواجهه.
يقوم أي مشروع على عدة عناصر وأركان مهمة ومكمله لبعضها البعض، وارى من وجهة نظري البسيطة أن الخلل في أحدها يؤثر بشكل مباشر في نجاح العمل.
الفكرة: يجب أن تكون الفكرة مميزة وغير تقليدية وتعالج مشكلة قائمة فعلياً وأن تكون ذات قيمة مضافة. وثق تماماً بأن الفكرة التي تخطر على ذهنك قد وردت على عدد كبير من الناس ولكن الفرق من هو المبادر الذي اتخذ خطوة وبدأ التنفيذ. وكما قيل "الأفكار ملقاة على قارعة الطريق، لكنها بحاجة لمن يلتقطها”.
التخطيط: التخطيط أمر بالغ الأهمية وللأسف كثير ممن بدأوا مشاريعهم الصغيرة، عملوا بشكل عشوائي ودون تخطيط وهذا لا يعني فشلهم ولكن تم إهدار جهد ومال ووقت مقارنة لو تم عمل دراسة للسوق وتم التخطيط بشكل جيد بناءً على هذه الدراسات وما تم جمعة من معلومات، فالبيانات لا تكذب أبداً وفي كثير من الأحيان يُصدم أصحاب القرار بالنتائج بعد تحليل هذه البيانات. فدراسة السوق أمر بالغ الأهمية ويوفر الكثير من الجهد والوقت بالإضافة إلى المال ويعطي تصور واضح إلى اتجاه السوق الذي يرغب صاحب العمل الحر الدخول فيه، وقد يجعله يغير الكثير من قناعاته وتوجهاته. لذلك نقول دائما ادرس السوق الذي ترغب الدخول به واعمل دراسة جدوى واقعية بنفسك دون الاعتماد على مواقع قوقل أو النماذج الجاهزة، فالسر في البيانات الواقعية لا الوهمية فكلما كانت المدخلات واقعية وحقيقة كانت النتائج واقعية والعكس صحيح.
التنفيذ: يفشل عدد لا بأس به عند التنفيذ لأسباب عدة، عدم فهمه لكيفية التنفيذ، الاعتماد على أشخاص ليس لهم خبره بتنفيذ مثل هذه المشاريع وبالتالي يكون ضحية تسويق جيد لمنفذين سيئين. احرص في تنفيذ أفكارك ومخططاتك على أشخاص متخصصين في هذا المجال ولهم تجارب سابقة حتى وإن اضطررت لدفع المزيد من المال. والأمثلة في هذا الأمر لا حصر لها وقد يفشل المشروع بشكل كامل بمجرد أن المنفذ لم يستوعب الأفكار التي تدور في ذهنك وبالتالي يقوم بتنفيذها بشكل خاطئ وبعيد جداً عما تريد.
التشغيل: قد تنجح في تجاوز جميع الخطوات السابقة ولكن عدم النجاح في الركيزة الأخيرة وهي التشغيل قد يهدم ما بنيت بشكل كامل، ومن خلال الوقوف على حالات عدة، يتجاوز أصحاب المشاريع الخطوات الثلاث غالباً ولكنهم يصطدمون بمشاكل التشغيل المنهكة، وبالتالي تكون أحد اهم الأسباب في عدم مواصلة المشروع وبالتالي فشله. في هذه المرحلة يحتاج رائد الأعمال لفريق عمل شغوف وصاحب خبرة يستطيع النهوض في حال التعثر، وقبل ذلك يجب أن يعي فريق العمل أن أي مشروع سيواجه خيبات أمل، غالباً، في بداية التشغيل وتعثرات، وهنا يأتي الإيمان بالفكرة والنجاح والشغف والصبر. فلكي تحقق النجاح، يجب ألا تستعجل النتائج وأن تجعل مشروعك يأخذ وقته الكافي للانطلاق نحو القمة.
هناك أمر آخر لا تقل أهميته عما سبق وهو عنصر مهم بنجاح أو فشل المشاريع، ألا وهو القدرة المالية، نسبة ليست بالقليلة من المشاريع الرائدة تتعثر بسبب نقص التمويل وعدم القدرة على مواصلة الضخ المالي للمشروع وبالتالي تُكتب النهاية ليس بسبب عدم نجاح المشروع ولكن بسبب عدم وجود القدرة المالية الكافية التي يحتاجها هذا المشروع في خطواته الأولى. فالطفل على سبيل التشبيه لا يمشي بشكل مباشر ويقوم بالحبي إبتداءً ثم يقوم بخطوة أو خطوتين ويقع ثم بمساعدة من حوله يقوم بالمشي عدة خطوات وهناك من يمسك يده إلى أن ينطلق بحماس في أرجاء المكان.
ختاماً، لا تنجرف وراء العبارات الرنانة وتخاطر بترك وظيفتك إلا بعد التأكد من نموذج العمل ومدى نجاحه على أشهر وأيضاً لا تقم بترك عملك إلا في حال وجدت أن تفرغك لمشروعك الخاص سيضاعف من الدخل. لذلك فكر ألف مره قبل أن تترك عملك من أجل مشروعك الخاص وفكر بعقلانية وليس بعاطفة وحماس.
متعب العنزي
التعليقات 1
1 pings
زائر
06/17/2022 في 4:25 ص[3] رابط التعليق
مقال ممتاز جداً لاسيما أنو الأن هذا هو التوجه والتفكير الغالب على بعض شبابنا وبالفعل لايفكرون جيداً بعواقب ماسول يقومون به في حال تركوا اعمالهم وتوجهوا للعمل الحر هكذا بدون خطه مدروسه او حتى خطوات يتبعونها .. تحياتي لك :)