تعتبر اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدول الـ22 التي تشكل جامعة الدول العربية، ويتحدث بها أكثر من 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. إنها أيضًا لغة القرآن الكريم ومن بين أكثر لغات العالم انتشارًا وثراءً في مفرداتها. ويعيش معظم المتحدثين بها في المنطقة الممتدة عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتعتبر اللغة العربية عضوًا في عائلة اللغات السامية.
وتظهر أقدم قصة مثبتة على وجود اللغة العربية في النقوش المسمارية الآشورية التي تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد. على الرغم من أن المظاهر المبكرة للغة العربية تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، إلا أنه تم تعريفها وتحسينها على مدى قرون طويلة لاحقة.
وتُعتبر اللغة العربية لغة عالمية، حيث يتحدث بها 362 مليون ناطق أصلي و274 مليون ناطق كلغة ثانية، مما يجعلها اللغة الثالثة عالميًا من حيث الانتشار بعد الإنجليزية والفرنسية.
وللغة العربية تأثير على الحضارة حيث يتجسد في تكوينها للمعرفة والعقائد والفن، والأخلاق، والقانون، والعرف. إن جميع هذه العناصر تنسجم عبر عدسة اللغة، حيث تعتبر اللغة العربية الوسيلة التي نشأ من خلالها مفاهيم ومبادئ عدة مثل السلام ومكارم الأخلاق. وباستخدام الإنتاج الأدبي العربي، نستطيع تحقيق وجودنا وتجسيد رؤيتنا لأنفسنا وللعالم المحيط.
كما تلعب الترجمة دورًا حيويًا في حوار الحضارات باللغة العربية، حيث تؤمن بحق الآخر في التنوع الثقافي وتبني جسور التسامح بين الحضارات. فعبر الترجمة، تتسنى للأفكار انتقالها بين الحضارات، مما يجعلها وسيلة قوية للتفاهم والتواصل. وفي سياق الحضارة العربية، أظهر حوار الحضارات نجاحه من خلال الإنتاج الفلسفي والأدبي المترجم من لغات متنوعة إلى اللغة العربية. ويرى الجاحظ أن الترجمة أضفت قيمة للغة العربية، حيث أصبحت لغة التفوق للخطباء والبلغاء، وذلك من خلال اختيارهم للألفاظ والمفردات التي تعكس رؤيتهم للأمور.
وكما عكست اللغة العربية تأثيرها على الحضارة فأن لها تأثير لا يقل أهمية على الثقافة حيث يظهر بشكل واضح في الترابط الوثيق بين هاذين الجانبين المهمين. وتُعتبر اللغة الوسيلة التعبيرية الأولى للإنسان، حيث يعبّر من خلالها عن أفكاره وهويته، وهي الناطق الرسمي باسم الثقافة، حيث يمكن للإنسان شرح وجوه التميز الثقافي لأمته وشعبه من خلالها.
ومن الجانب الآخر، تسهم الثقافة بشكل فعّال عند تعليم اللغات للأجانب، مما يظهر التكامل العميق بين الثقافة واللغة. ولا شك أن اللغة والثقافة تتلازمان وتشكلان جوهراً لتحديد هويات الأمم والشعوب. وتلعب الثقافة أيضًا دورًا في تطوير وإثراء اللغة، حيث يتم إدخال مفردات جديدة تعكس الأصالة والتطور الثقافي للغة العربية ومجموعة مفرداتها الواسعة كغيرها من اللغات، ويعكس أيضاً هذا التفاعل الديناميكي بين اللغة والثقافة.
ولقد كان للشعر والأدب العربي تأثير عظيم على الشعوب الأخرى، حيث نُقلت وتُرجمت العلوم والكتب العربية، واستفادت من ثقافتها الرائعة الكثير من الأمم، مما جعل للشعر والأدب دورًا مهمًا في تشكيل المجتمع والثقافة العربية والكثير من الاختراعات وتطوير العلوم على مر العصور. كما كان الشعر والأدب وسيلة للتعبير عن الفكر والمشاعر والقيم، ويُعبّر عن الحاضر والماضي والمستقبل ووسيلة للتعبير عن المكارم الأخلاقية والحق.
وكـامتداد للشعر والادب، كان للكتابة والفنون الجميلة دور كبير في تأثير الأدب والشعر على المجتمع. كما كان للشعراء والأدباء دور في نشر الفكر والأدب والثقافة من خلال الأنشطة الاجتماعية والثقافية وأيضاً من خلال مواضيع متنوعة مثل التاريخ، والطبيعة والدين والتاريخ والفلسفة والعلوم، وكان تأثير هذا الحراك كبير على المجتمع حيث استخدموا أسلوبًا فنيًا وأدبيًا عميقًا لتناول هذه المواضيع، مما جعل تأثيرهم يترسخ في ذهن المجتمع العربي ويمتد ليؤثر على ثقافات مختلفة، مثل الثقافة الأندلسية التي تأثرت بها الثقافة الأوروبية.
ختاماً: إن اختيار شعار “العربية: لغة الشعر والفنون” للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يبرز إرثها الغني في المجالات الأدبية والفنية. ويحمل هذا الشعار معاني عميقة حيث يسلط الضوء على الجمالية الرائعة لآياتها التي تأسر القلوب وتبهر العقول. وفي الذكرى الخمسين لإعلان اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة، يتمثل اليوم العالمي للغة العربية في فرصة للتأمل في دور هذه اللغة في تشكيل المعارف وتحولات المجتمعات، ويعزز التنوع الثقافي ويعمل على تعزيز الحوار بين الثقافات. ويبرز تأثير اللغة العربية ودورها في تشكيل المعرفة وتغيير المجتمع وذلك من خلال التركيز على التفاعل بين اللغة العربية والفنون في توسيع آفاق التنوع الثقافي. كما يلقي الضوء على البصمة العربية في أماكن بعيدة مثل أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
في نهاية المطاف، يُعتبر هذا الاحتفال منبرًا للتفكير في دور اللغة العربية في تعزيز التفاهم والحوار الثقافي في الساحة العالمية.